للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ أبو يُوسفَ ومحمَّدٌ: إنِ اختارَتْ نفْسَها بانَتْ، وهوَ ظاهرُ الرِّوايةِ؛ لأنَّ الشَّرعَ خيَّرَها عِنْدَ تمامِ الحَولِ في العُنَّةِ؛ دَفعًا للضَّررِ عَنها، فلا يَحتاجُ إلى تَفريقِ القاضِي كما إذا خيَّرَها الزَّوجُ.

ورَوى الحسَنُ عن أبي حَنيفةَ: لا تَبِينُ إلَّا بتَفريقِ القاضي، وهوَ المَشهورُ مِنْ مَذهبِهِ … ؛ لأنَّ النِّكاحَ عَقدٌ لازمٌ ومِلكَ الزَّوجِ فيهِ مَعصومٌ، فلا يَزولُ إلَّا بإزالتِهِ؛ دَفعًا للضَّررِ عَنهُ، لكنْ لمَّا وَجَبَ عليهِ الإمساكُ بالمَعروفِ أوِ التَّسريحُ بالإحسانِ وقدْ عَجَزَ عنِ الأوَّلِ بالعُنَّةِ ولا يُمكِنُ القَاضي النِّيابةُ فيهِ فوجَبَ عليهِ التَّسريحُ بالإحسانِ، فإذا امتَنعَ عنهُ نابَ القاضي مَنابَه؛ لأنه نُصِّبَ لدفعِ الظُّلمِ، فلا تَبِينُ بدُونِ تَفريقِ القاضي، فإذا فرَّقَ يَصيرُ كأنه طلَّقَها بنَفسِهِ، فتكونُ تَطليقةً بائِنةً؛ ليحصلَ مَقصودُها، وهوَ دَفعُ الظُّلمِ عنها بمِلكِها نفسَها (١).

وقالَ المالكيَّةُ: لا يكونُ الطَّلاقُ هُنا إلَّا بحُكمِ الحاكمِ، فإنْ لم يَكنْ حاكمٌ فصالِحُو البلدِ يَقومُونَ مقامَ الحاكمِ.

وإنْ فاتتِ السَّنةُ المَضروبةُ للعُنَّةِ طلَّقَها الزوجُ بإذنِ الحاكمِ بأنْ يأمرَهُ الحاكمُ بهِ، فإنْ طلَّقَها فواضِحٌ، وإلَّا طَلَّقَ عليهِ الحاكِمُ، ويَجوزُ للحاكمِ أن يأمُرَها بإيقاعِ الطَّلاقِ ك: «طَلَّقْتُ نَفْسِي مِنْكَ» وما في معناهُ، ويُشهِدُ الحاكمُ على ذلكَ الطَّلاقِ الواقعِ مِنها (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٢٥، ٣٢٦)، و «الاختيار» (٣/ ١٤٣).
(٢) «شرح مختصر خليل» (٤/ ٩٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>