للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قيلَ: كيفَ يُعَدُّ الرَّعيُ مِنْ الحِرَفِ الدَّنيئةِ معَ أنها سُنَّةُ الأنبياءِ في ابتداءِ أمرِهم؟

أُجيبَ بأنه لا يَلزمُ مِنْ ذلكَ كَونُه صِفةَ مَدحٍ لغيرِهم، ألَا تَرى أنَّ فقْدَ الكِتابةِ في حقِّهِ مُعجِزةٌ، فتكونُ صِفةَ مَدحٍ في حقِّهِ، وفي حَقِّ غَيره ليسَتْ كذلكَ.

والأَوجَهُ أنَّ كلَّ ذي حِرفةٍ فيها مُباشَرةُ نَجاسةٍ كالجزَّارةِ على الأصَحِّ ليسَ كُفءَ الَّذي حِرفتُه لا مُباشَرةَ فيها لها، وأنَّ بقيَّةَ الحِرَفِ التي لم يَذكُروا فيها تَفاضُلًا مُتساوِيةٌ، إلَّا إنِ اطَّردَ العُرفُ بتَفاوتِها، ويُؤيِّدُ ذلكَ قولُ بَعضِهم: إنَّ القَصَّابَ ليسَ كُفئًا لبِنتِ السَّمَّاكِ …

ومَن لهُ حِرفتانِ دَنيَّةٌ ورَفيعةٌ اعتُبِرَ ما اشتُهرَ بهِ، والأغلبُ الدَّنيَّةُ، بل لو قيلَ بتَغليبِها مُطلَقًا -لأنه لا يَخلُو عَنْ تَعيُّرِه بها- لم يَبعُدْ.

وتُراعَى العادةُ في الحِرَفِ والصَّنائعِ، فإنَّ الزِّراعةَ في بَعضِ البِلادِ أَولى مِنْ التِّجارةِ، وفي بَعضِها بالعَكسِ.

وقيلَ: الاعتِبارُ في ذلكَ بالعُرفِ العامِّ.

والمُعتبَرُ فيهِ بلدُ الزَّوجةِ لا بَلدُ العَقدِ؛ لأنَّ المَدارَ على عارِها وعَدمِه، وذلكَ إنَّما يُعرَفُ بالنِّسبةِ لعُرفِ بَلدِها، أي الَّتي هيَ بها حالةَ العَقدِ (١).


(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٧١٨، ٧١٩)، و «النجم الوهاج» (٧/ ١٢٨، ١٢٩)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٧٨، ٢٧٩)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٦٥٦، ٦٥٧)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٢٩٩، ٣٠٠)، و «الديباج» (٣/ ٢٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>