للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمامُ أبو حَنفيةَ النُّعمانُ بنُ ثابِتٍ:

قالَ التاجُ السُّبكيُّ: يَنبَغي لك أيُّها المُسترشِدُ أنْ تَسلُكَ سَبيلَ الأَدبِ معَ الأَئمةِ الماضِينَ، وأنْ لا تَنظُرَ إلى كَلامِ بعضِهم في بعضٍ، إلا إذا أُتِيَ ببُرهانٍ واضحٍ، ثم إنْ قدِرتَ على التَّأويلِ وتَحسينِ الظنِّ فدونَك، وإلا فاضرِبْ صَفحًا عما جَرى بينَهم، فإنَّك لم تُخلقْ لهذا، فاشتَغلْ بما يَعنِيك، ودعْ ما لا يَعنِيك، ولا يَزالُ طالبُ العلمِ عِندي نَبيلًا حتى يَخوضَ فيما جَرى بينَ السَّلفِ الماضِينَ، ويَقضي لبعضِهم على بعضٍ، فإياكَ ثم إياكَ أن تُصغيَ إلى ما اتَّفقَ بينَ أَبي حَنيفةَ وسُفيانَ الثَّوريِّ، أو بينَ مالِكٍ وابنِ أَبي ذِئبٍ، أو بينَ أَحمدَ بنِ صالحٍ والنَّسائيِّ، أو بينَ أَحمدَ والحارسِ بنِ أسدٍ المُحاسِبيِّ … وهَلمَّ جرًّا، إلى زَمانِ العزِّ بنِ عبدِ السَّلامِ والشَّيخِ تقيِّ الدينِ بنِ الصَّلاحِ؛ فإنَّك إذا اشتغَلتَ بذلك، خشِيتُ عليك الهَلاكَ؛ فالقومُ أَئمةٌ أَعلامٌ، ولأَقوالِهم مَحامِلُ، وربَّما لم تَفهمْ بعضَها، فليسَ لنا إلا التَّرضي وَالسُّكوتُ عمَّا جَرى بينهم، كما نَقولُ فيما جَرى بينَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم (١).

عن يَحيى بنِ مَعينٍ قالَ: سمِعتُ يَحيى القَطانَ يَقولُ: جالَسْنا -واللهِ- أَبا حَنيفةَ، وسمِعْنا منه، وكنتُ -واللهِ- إذا نظَرتُ إليه، عرَفتُ في وجهِه أنَّه يَتقِي اللهَ ﷿ (٢).


(١) «طبقات الشافعية» (٢/ ٢٧٨)، و «الخيرات الحسان» (١٠٣، ١٠٤).
(٢) «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>