القولُ الثاني: أنَّ الصَّلاةَ إذا كانَت سرِّيَّةً قرأَ خلفَ الإمامِ، وإذا كانَت جَهريَّةً لا يَقرأُ، وهو مَذهبُ الحَنابلَةِ، وقالَ الإمامُ أحمدُ: إن سمِع في صَلاةِ الجَهرِ لم يَقرأ، وإن لم يَسمَع قرأَ.
والحُجَّةُ لِهذا القولِ قولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]، وهذا عندَ أهلِ العِلمِ عندَ سَماعِ القُرآنِ في الصَّلاةِ، لا يختلِفونَ أنَّ هذا الخِطابَ نزلَ في هذا المَعنى دونَ غيرِه.
قالَ الإمامُ أحمدُ: أجمعَ النَّاسُ على أنَّ هذه الآيَةَ في الصَّلاةِ.
ومَعلومٌ أنَّ هذا لا يَكونُ إلا في صَلاةِ الجَهرِ؛ لأنَّ السِّرَّ لا يُستَمَعُ إليه.
وفي حَديثِ أبي هُريرةَ ﵁ أنَّ النَّبيَّ ﷺ انصَرفَ مِنْ صَلاةٍ، فقالَ:«هل قرأَ مَعِيَ أَحدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟» فقالَ رَجلٌ: نَعم يا رَسولَ اللهِ. قالَ:«إنِّي أَقُولُ: ما لي أُنَازَعُ القُرآنَ»، قالَ: فَانتَهى النَّاسُ عن القِراءَةِ مع رَسولِ اللهِ ﷺ فِيمَا جهرَ فيه النَّبيُّ ﷺ بالقِراءَةِ مِنْ الصَّلواتِ حين سَمِعُوا ذلك مِنْ رَسولِ اللهِ ﷺ(١).
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وأيضًا: فإنَّه إجماعٌ، قالَ أحمدُ: ما سَمِعنا أحَدًا من أهلِ الإسلامِ يَقولُ: إنَّ الإمامَ إذا جهرَ بالقِراءةِ لا تُجزِئُ صَلاةُ مَنْ خلفَه إذا لم يَقرأ، وقالَ هذا النَّبيُّ ﷺ وأصحابُه والتَّابِعونَ، وهذا مالِكٌ في أهلِ الحِجازِ، وهذا الثَّورِيُّ في أهلِ العِراقِ، وهذا الأوزاعِيُّ في أهلِ الشَّامِ، وهذا اللَّيثُ في أهلِ مِصرَ، ما قالوا لِرَجلٍ صلَّى وقرأَ إمامُه ولم يَقرأ هو: صَلاتُه