للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّةَ محمَّدٍ لا تَجتمعُ على ضَلالةٍ، فلا يَزالُ فيها مَنْ هو مُتبِعٌ لشَريعةِ التوحيدِ، بخِلافِ أهلِ الكتابِ، ولم يُخبِرِ اللهُ عن أهلِ الكتابِ أنهُم مُشركونَ بالاسمِ، بل قالَ: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ بالفِعلِ، وآيةُ البقَرَة قالَ فيها: ﴿وَالْمُشْرِكِينَ﴾ و ﴿وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ بالاسمِ، والاسمُ أوكَدُ مِنْ الفعلِ.

الوَجهُ الثاني: أنْ يُقالَ: إنْ شَملَهم لفظُ المُشركينَ مِنْ سُورَة البقَرَة كما وصَفَهم بالشِّركِ، فهذا مُتوجِّهٌ بأنْ يفرَّقَ بين دَلالةِ اللفظِ مُفردًا ومَقرونًا، فإذا أُفرِدُوا دخَلَ فيهم أهلُ الكِتابِ، وإذا قُرِنُوا مع أهلِ الكتابِ لم يَدخلُوا فيهِم، كما قيلَ مثلُ هذا في اسمِ الفقيرِ والمِسكينِ ونحوِ ذلكَ، فعَلى هذا يُقالُ: آيةُ البقَرَة عامَّةٌ وتلكَ خاصَّةٌ، والخاصُّ يقدَّمُ على العامِّ.

الوجهُ الثالثُ: أنْ يُقالَ: آيةُ المائِدَة ناسِخةٌ لآيةِ البقَرَة؛ لأنَّ المائِدَة نزلَتْ بعدَ البقَرَة باتِّفاقِ العُلماءِ، وقد جاءَ في الحَديثُ: «المائِدةُ مِنْ آخِرِ القُرآنِ نُزولًا، فأَحِلُّوا حَلالَها وحَرِّمُوا حَرامَها»، والآيةُ المُتأخرِّةُ تَنسخُ الآيةَ المتقدِّمةَ إذا تعارَضَتَا، وأمَّا قولُه: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠]، فإنها نزَلَتْ بعدَ صُلحِ الحُدَيبيةِ لمَّا هاجَرَ مِنْ مكَّةَ إلى المَدينةِ، وأنزَلَ اللهُ سُورَة المُمتحنَة وأمَرَ بامتحانِ المُهاجرِينَ، وهو خِطابٌ لمَن كانَ في عِصمتِه كافرةٌ، واللام لتَعريفِ العَهدِ، والكَوافرُ المَعهوداتُ هنَّ المُشركاتُ، مع أنَّ الكفَّارَ قد يُميَّزُوا مِنْ أهلِ الكتابِ أيضًا في بعضِ المَواضعِ، كقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١)[النساء: ٥١]، فإنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>