قالَ أبو عُمرَ ابنُ عبدِ البَرِّ ﵀: نكاحُ السِّرِّ عندَ مالكٍ وأصحابِه أنْ يُستكتمَ الشُّهودُ، أو يكونَ عليهِ مِنْ الشُّهودِ رَجلٌ وامرأتانِ، ونحوُ ذلكَ ممَّا يُقصدُ به إلى التستُّرِ وتَركِ الإعلانِ.
ورَوى ابنُ القاسمِ عن مالِكٍ قالَ: لو تزوَّجَ ببيِّنةٍ وأمَرَهم أنْ يَكتمُوا ذلكَ لم يَجُزِ النكاحُ، وإنْ تزوَّجَ بغيرِ بيِّنةٍ على غيرِ استِسرارٍ جازَ واستَشهدَا فيما يَستقبلانِ.
ورَوى ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ في الرَّجلِ يتزوَّجُ المرأةَ بشَهادةِ رجلَينِ ويَستكتِمُها قالَ: يُفرَّقُ بينَهُما بتَطليقةٍ ولا يَجوزُ النكاحُ، ولها صَداقُها إنْ كانَ أصابَها، ولا يُعاقَبُ الشاهِدانِ إنْ كانَا جَهلَا ذلكَ، وإنْ كانَا أتَيَا ذلكَ بمَعرفةِ أنَّ ذلكَ لا يَصلحُ عُوقِبَا.
وقالَ الشافعيُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُهما: إذا تزوَّجَها بشاهدَينِ وقالَ لهُمَا: «اكتُمَا» جازَ النكاحُ، وهو قَولُ يحيَى بنِ يحيَى صاحِبِنا، قالَ: كلُّ نكاحٍ شَهِدَ عليه رَجلانِ فقدْ خرَجَ مِنْ حَدِّ السرِّ، وأظُنُّه حكاهُ عن اللَّيثِ بنِ سَعدٍ.
والسِّرُّ عندَ الشافعيِّ والكوفيِّينَ ومَن تابَعَهم: كُلُّ نكاحٍ لم يَشهدْ عليهِ رَجلانِ فصاعِدًا، ويُفسَخُ على كلِّ حالٍ (١).
وقالَ القاضِي عبدُ الوَهابِ ﵀: التَّراضِي بكِتمانِ النكاحِ يُبطِلُ العقدَ، خِلافًا لأبي حَنيفةَ والشافعيِّ؛ لقولِه ﷺ: «أَعلِنُوا النِّكاحَ،
(١) «الاستذكار» (٥/ ٤٧٠)، و «الذخيرة» (٤/ ٤٠١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute