إحداهُما: لا يَنعقدُ، وهو مَذهبُ الشافعيِّ؛ للخبَرِ، ولأنَّ النكاحَ لا يَثبتُ بشهادَتِهما، فلمْ يَنعقدْ بحُضورِهما كالمَجنونَينِ.
والثانيةُ: يَنعقدُ بشهادَتِهما، وهو قولُ أبي حَنيفةَ؛ لأنها تحمُّلٌ، فصحَّتْ مِنْ الفاسقِ كسائرِ التحمُّلاتِ.
وعلى كِلتَا الروايتَينِ لا يُعتبَرُحَقيقةُ العَدالةِ، بل يَنعقدُ بشَهادةِ مَستورَيِ الحالِ؛ لأنَّ النكاحَ يكونُ في القُرَى والبادِيةِ وبينَ عامَّةِ الناسِ ممَّن لا يَعرفُ حقيقةَ العَدالةِ، فاعتبارُ ذلكَ يَشقُّ، فاكتُفيَ بظاهرِ الحالِ وكونِ الشاهدِ مَستورًا لم يَظهرْ فِسقُه.
فإنْ تَبيَّنَ بعدَ العقدِ أنه كانَ فاسِقًا لم يُؤثِّرْ ذلكَ في العقدِ؛ لأنَّ الشَّرطَ العَدالةُ ظاهِرًا، وهو أنْ لا يكونَ ظاهِرَ الفسقِ، وقد تَحقَّقَ ذلكَ، وقيلَ:«نَتبيَّنُ أنَّ النكاحَ كانَ فاسِدًا؛ لعَدمِ الشَّرطِ» وليسَ بصَحيحٍ؛ لأنه لو كانَتِ العَدالةُ في الباطنِ شَرطًا لَوجَبَ الكشفُ عنها؛ لأنه مع الشَّكِّ فيها يكونُ مَشكوكًا في شَرطِ النكاحِ، فلا يَنعقدُ، ولا تَحلُّ المَرأةُ مع الشَّكِّ في صِحةِ نكاحِها، وإنْ حدَثَ الفِسقُ فيهِما لم يُؤثِّرْ في صحةِ النكاحِ؛ لأنَّ الشَّرطَ إنَّما يُعتبَرُ حالةَ العقدِ.