القَولُ الثاني: أنه يَصحُّ النكاحُ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ -وهو المَذهبُ- وأبي الخَطَّابِ مِنْ الحَنابلةِ.
قالُوا: الشَّهادةُ في الحَقيقةِ للمُسلمِ على الكافرةِ؛ لأنهما يَشهدانِ علَيها بإثباتِ مِلكِ بُضعِها له أصلًا، فهي في الحَقيقةِ شَهادةُ كافرٍ على كافرٍ، ونَحنُ نَقبَلُها فنُصحِّحُ العقدَ بها.
وأمَّا حُقوقُ النكاحِ فإنَّما تَثبتُ ضِمنًا وتَبَعًا، ويَثبتُ في التَّبَعِ ما لا يَثبتُ في المَتبوعِ، ونَظائرُه كثيرةٌ جدًّا.
قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ ﵀: ولهُمَا -أي أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ- عُموماتُ النكاحِ مِنْ الكِتابِ والسُّنةِ، نحو قَولِه تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]، وقَولِه: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، وقَولِ النبيِّ ﷺ:«تَزوَّجُوا ولا تُطلِّقُوا»، وقولِه ﷺ:«تَناكَحُوا»، وغيرِ ذلكَ مُطلَقًا عن غيرِ شَرطٍ، إلا أنَّ أهلَ الشهادةِ وإسلامَ الشاهدِ صارَ شَرطًا في نكاحِ الزَّوجينِ المُسلمَينِ بالإجماعِ، فمَنِ ادَّعى كَونَه شَرطًا في نِكاحِ المُسلمِ الذِّميةَ فعَليهِ الدَّليلُ، ورُويَ عن رَسولِ اللهِ ﷺ أنه قالَ:«لا نِكاحَ إلا بشُهودٍ»، ورُويَ:«لا نِكاحَ إلا بشاهِدَينِ»، والاستِثناءُ مِنْ النَّفيِ إثباتٌ ظاهِرٌ، وهذا نِكاحٌ بشُهودٍ؛ لأنَّ الشهادةَ في اللُّغةِ عبارةٌ عن الإعلامِ والبَيانِ، والكَافرُ مِنْ أهلِ الإعلامِ والبَيانِ؛ لأنَّ ذلكَ يَقفُ على العَقلِ واللِّسانِ والعِلمِ بالمَشهودِ به، وقد وُجِدَ، إلَّا أنَّ شَهادتَه على المُسلمِ خُصَّتْ مِنْ عُمومِ الحَديثِ، فبَقيَتْ