الكُفرِ؛ لأنَّ الكُفرَ أعظَمُ الظُّلمِ وأفحَشُه، فلا يكونُ الكافِرُ عَدلًا، فلا يَنعقدُ النكاحُ بشَهادتِه، ولأنَّ الشَّهادةَ إنما شُرطَتْ لإثباتِ الفِراشِ عندِ التَّجاحُدِ، ولا يُمكِنُ إثباتُه بشَهادةِ الكفَّارِ، وبأنَّ شهادَتَهم كَلَا شَهادةٍ، فقدْ خَلا النكاحُ عن الشهادةِ، وبأنَّ النكاحَ لو انعَقدَ بشهادَتِهما لَسُمعَتْ شهادَتُهما على المُسلمِ فيما يَرجعُ إلى حُقوقِ النكاحِ مِنْ وُجوبِ المَهرِ والنفقةِ والسُّكنَى، وهذا مُمتنِعٌ، ولأنه نكاحُ مُسلمٍ، فلمْ يَنعقدْ بشَهادةِ ذمِّيَّينِ كنِكاحِ المُسلمينِ.
وقالَ مُحمدٌ وزُفرُ في هذا الحَديثِ: والمرادُ منه عَدالةُ الدِّينِ لا عَدالةُ التَّعاطي؛ لإجماعِنا على أنَّ فِسقَ التَّعاطي لا يَمنعُ انعِقادَ النكاحِ، ولأنَّ الإشهادَ شَرطُ جَوازِ العَقدِ، والعقدُ يتعلَّقُ وُجودُه بالطَّرفينِ -طَرفِ الزوجِ وطَرفِ المرأةِ-، ولم يُوجَدِ الإشهادُ على الطَّرفينِ؛ لأنَّ شهادةَ الكافرِ حُجةٌ في حَقِّ الكافرِ وليسَتْ بحُجَّةٍ في حَقِّ المُسلمِ، فكانَتْ شَهادتُه في حَقِّه مُلحَقةً بالعَدمِ، فلمْ يُوجَدِ الإشهادُ في جانبِ الزَّوجِ، فصارَ كأنَّهُما سَمِعَا كلامَ المرأةِ دونَ كلامِ الرجلِ، ولو كانَ كذلكَ لم يَكنِ النكاحُ، كذا هذا (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٥٣، ٢٥٥)، و «بداية المبتدي» (١/ ٥٨)، و «الهداية شرح البداية» (١/ ١٩٠)، و «العناية» (٤/ ٣٢٨)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٦٨)، و «اللباب» (٢/ ١٩)، وابن عابدين (٣/ ٢٣)، و «تهذيب المدونة» (١/ ٣٠٩)، و «الذخيرة» (٤/ ٤٠٠)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٤٠٨)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٦٠)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٤٤)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٥٦٢)، و «المغني» (٧/ ٧)، و «كشاف القناع» (٥/ ٧١)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٦٥)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ٢٩٧)، و «الإنصاف» (٨/ ١٠٤).