للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ : يَنعقدُ النكاحُ مِنْ غيرِ إشهادٍ، خِلافًا لأبي حَنيفةَ والشافِعيِّ؛ لقَولِه تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، ولأنهُ عقدٌ مِنْ العُقودِ، فلمْ يَكنِ الإشهادُ شَرطًا في انعقادِه كسائرِ العُقودِ، ولأنه معنًى يُقصَدُ به التوثُّقُ، فلمْ يَكنْ شَرطًا في انعِقادِ النكاحِ كالرَّهنِ والكَفالةِ، ولأنَّ كلَّ شخصٍ لا يَحتاجُ إليه في إيجابٍ ولا قَبولٍ لم يَكنْ حُضورُه شَرطًا في انعِقادِ النكاحِ كالزَّوجةِ وسائرِ الأجانبِ، ولأنَّ كلَّ شَخصٍ لم يُحتَجْ إلى حُضورِه في عقدِ البَيعِ مع حُضورِ المُوجِبِ والقابِلِ لم يُحتَجْ إلى حُضورِه في عقدِ النكاحِ كالفاسقِ.

ثمَّ قالَ: التَّراضِي بكِتمانِ النكاحِ يُبطِلُ العقدَ، خلافًا لأبي حنيفةَ والشافعيِّ؛ لقولِه : «أَعلِنُوا النكاحَ، واضرِبُوا عليه بالغِرْبالِ» (١)، ورُويَ «أنه نهَى عن نكاحِ السِّرِّ» (٢)، ولأنَّ الزِّنا لمَّا كانَ يَقعُ مُستسَرًّا مُكتتَمًا وجَبَ أنْ يقَعَ النكاحُ على خلافِه، وإلَّا كانَ ذَريعةً إلى إباحتِه؛ لأنَّ كلَّ مَنْ وُجِدَ مع امرأةٍ ادَّعَى أنها زَوجتُه وأنَّ شُهودَه غُيَّبٌ، فوجَبَ حَسمُ البابِ فيه.


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه ابن ماجه (١٨٩٥)، والشطرُ الأولُ منه حَسنٌ، وهو قَولُه : «أَعلِنُوا النكاحَ» رواه أحمد (١٦١٧٥)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٠٦٦).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه الطبراني في «الأوسط» (٦٨٧٤)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٦/ ٩٣)، وضعَّفَ ابنُ حَزمٍ في «المحلى» (٩/ ٤٦٦)، وغيرُه هذا الحديثَ، قالَ الطبَرانِيُّ بعدَ ما رواهُ: لم يَرْوِ هذا الحديثَ عن الزهريِّ إلا رجاءُ بنُ أبي سَلمةَ، ولا رواهُ عن رجاءٍ إلا ضَمرةُ، تفرَّدَ به محمدُ بنُ الوزيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>