قالَ أبو عُمرَ: ذهَبَ هؤلاءِ إلى أنَّ الإعلانَ المأمُورَ به في النكاحِ هو الإشهادُ في حينِ العقدِ، ولم يَشترطُوا في الإعلانِ العَدالةَ.
ورُويَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قالَ:«لا نِكاحَ إلَّا بشاهِدَي عَدلٍ ووَليٍّ مُرشِدٍ»، ولا مُخالِفَ له مِنْ الصَّحابةِ عَلِمْتُه.
وعن ابنِ عبَّاسٍ أيضًا أنه قالَ:«البِغاءُ اللَّواتي يُزوِّجنَ أنفُسَهنَّ بغيرِ بَينةٍ».
قالَ أبو عُمرَ: قد عُلِمَ أنَّ البَغيَّ لو أعلَنَتْ ببَغيِها حُدَّتْ، ولمْ يَدخلْ إعلانُها زِناها في بابِ إعلانٍ، كما أنَّ مهْرَ البَغيِّ لو كانَ أكثَرَ مِنْ مَهرِ الصَّداقِ لم يَكنْ ذلك حَلالًا كقَولِ ابنِ عبَّاسٍ، إنَّما هو تَحريضٌ على الإشهادِ ومَدحٌ له ونهيٌ عن تَركِه وذَمٌّ له؛ ليُوقَفَ عندَ السُّنةِ فيه ولا يُتعدَّى، كما قيلَ: كَسرُ عَظمِ المُؤمنِ مَيتًا ككَسرِه حَيًّا، ومَعلومٌ أنه لا قَودَ ولا دِيةَ في كَسرِ عَظمِ المَيتِ، وإنما اشتَبهنَ في الإثمِ كما أشبَهَ تَركُ الإشهادِ والإعلانِ بما يُستَرُ مِنْ الفواحِشِ في غيرِ الإثمِ.
قالَ أبو عُمرَ: الحَديثُ في هذا البابِ عن عُمرَ -أتِيَ بنِكاحٍ لم يَشهدْ عليهِ إلَّا رَجلٌ وامرأةٌ فقالَ: هذا نِكاحُ السِّرِّ ولا أُجيزُه، ولو كُنْتُ تَقدَّمتُ فيه لَرَجمْتُ- إنَّما ورَدَ في نكاحٍ لم يَحضرْهُ إلَّا رَجلٌ وامرأةٌ، فجعَلَه سِرًّا؛ إذْ لم تَتمَّ فيه الشهادةُ (١).