للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ: إنْ بكَتْ فليسَ بإذنٍ؛ لأنه يَدلُّ على الكَراهيةِ، وليسَ بصَمتٍ فيَدخلَ في عُمومِ الحديثِ.

ولنا: ما روَى أبو بكرٍ بإسنادِه عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ : «تُستأمَرُ اليَتيمةُ، فإنْ بكَتْ أو سكَتَتْ فهو رِضاها، وإنْ أبَتْ فلا جَوازَ عليها»، ولأنها ناطِقةٌ بالامتِناعِ مع سَماعِها للاستِئذانِ، فكانَ إذنًا منها كالصُّماتِ والضَّحكِ، والبكاءُ يَدلُّ على فَرطِ الحياءِ لا على الكَراهةِ، ولو كَرهَتْ لامتَنعَتْ؛ فإنها لا تَستحيِي مِنْ الامتِناعِ، والحَديثُ يَدلُّ بصَريحِه على أنَّ هذا الصَّمتَ إذنٌ، وبمَعناهُ على ما في مَعناهُ مِنْ الضحكِ والبُكاءِ، وكذلكَ أقَمْنا الضَّحكَ مَقامَه (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأمَّا قولُه في البِكرِ: «إذنُها صُماتُها» فظاهِرُه العُمومُ في كلِّ بكرٍ وكلِّ وليٍّ، وأنْ سُكوتَها يَكفِي مُطلقًا، وهذا هو الصَّحيحُ، وقالَ بعضُ أصحابِنا: إنْ كانَ الوليُّ أبًا أو جَدًّا فاستِئذانُه مُستحَبٌّ ويكفِي فيه سكوتُها، وإنْ كانَ غيرَهما فلا بُدَّ مِنْ نُطقِها؛ لأنها تَستحِي مِنْ الأبِ والجَدِّ أكثرَ مِنْ غيرِهما، والصَّحيحُ الذي عليه الجُمهورُ أنَّ السكوتَ كافٍ في جميعِ الأولياءِ؛ لعُمومِ الحَديثِ لوُجودِ الحَياءِ (٢).


(١) «المغني» (٧/ ٣٤، ٣٥).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (٩/ ٢٠٤)، و «البيان» (٩/ ١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>