وقد تقدَّمَتْ رِوايتُنا عن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قالَ:«لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتى تُستأمَرَ، ولا تُنكَحُ البِكرُ حتى تُستأذَنَ، فقالُوا: يا رسولَ اللهِ فكيفَ إذنُها؟ قالَ: أنْ تَسكُتَ».
وفي رِوايةٍ عن عائِشةَ أنها قالَتْ:«يا رَسولَ اللهِ إنَّ البِكرَ تَستحيِي؟ قالَ رِضاها صُماتُها» مُتفَقٌ عليهِ.
وفي روايةٍ:«واليَتيمةُ تُستأمَرُ، فصَمتُها إقرارُها» رواهُ النَّسائيُّ.
وفي روايةٍ:«تُستأمَرُ اليَتيمةُ في نَفسِها، فإنْ سَكتَتْ فهو إذنُها»، وهذا صَريحٌ في غيرِ ذاتِ الأبِ.
ورَوى الأثرَمُ عن عَديٍّ الكِنديِّ عن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قالَ:«الثيِّبُ تُعرِبُ عن نَفسِها، والبِكرُ رِضاها صُماتُها»، والأخبارُ في هذا كَثيرةٌ، ولأنَّ الحَياءَ عُقلةٌ على لِسانِها يَمنعُها النطقَ بالإذنِ، ولا تَستحيِ مِنْ إِبائِها وامتناعِها، فإذا سَكتَتْ على الظنِّ أنه لرِضاها فاكتُفيَ به، وما ذكَرُوه يُفضِي إلى أنْ لا يكونَ صُماتُها إذنًا في حَقِّ الأبِ أيضًا؛ لأنهُم جعَلَوا وُجودَه كعَدمِه، فيكونُ إذًا رَدًّا على النبيِّ ﷺ بالكُليةِ واطِّراحًا للأخبارِ الصريحةِ الجليلةِ وخَرقًا لإجماعِ الأمَّةِ المَرضيةِ.
فإنْ نطَقَتْ بالإذنِ فهو أبلَغُ وأتَمُّ في الإذنِ مِنْ صَمتِها، وإنْ بكَتْ أو ضَحكَتْ فهو بمَنزلةِ سُكوتِها.