للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: ما رُويَ عن ابنِ عمرَ أنَّ النَّبيَّ قالَ في المَريضِ: «إن لم يَستَطِع قاعِدًا فعلى القَفَا يُومِئُ إيماءً، فإن لم يَستَطِع فاللهُ أَولَى بقَبولِ العُذرِ»، أخبَرَ النَّبيُّ أنَّه مَعذورٌ عندَ اللهِ تَعالى في هذه الحالةِ، فلو كانَ عليه الإيماءُ بما ذَكَرتُم لَمَا كانَ مَعذورًا، ولأنَّ الإيماءَ ليس بصَلاةٍ حَقيقَةً، ولهذا لا يَجوزُ التَّنفُّلُ به في حالةِ الاختِيارِ، ولو كانَ صَلاةً لَجَازَ، كما لو تنَفَّلَ قاعِدًا، إلا أنَّه أُقيمَ مَقامَ الصَّلاةِ بالشَّرعِ، والشَّرعُ وردَ بالإيماءِ بالرَّأسِ، فلا يُقامُ غيرُه مَقامَه، ثم إذا سقطَت عنه الصَّلاةُ بحُكمِ العَجزِ فإن ماتَ مِنْ ذلك المرَضِ لَقيَ اللهَ تَعالى ولا شَيءَ عليه؛ لأنَّه لم يُدرِك وقتَ القَضاءِ (١).

وقالَ القاضي عَبدُ الوهَّابِ : المَريضُ إذا قدَر على القيامِ وعجَز عن الرُّكوعِ، قامَ فأومَأَ إلى الرُّكوعِ، ولم يَجُز له تَركُ القيامِ بعدَ الرُّكوعِ، خِلافًا لِأبي حَنيفَةَ في تَخييرِه أن يُصلِّيَ قائِمًا أو جالسًا.

فدَليلُنا قولُه لِمَريضٍ عادَه: «صَلِّ قائِمًا، فإن لم تَستَطِع فقاعِدًا»، فعلَّق جَوازَ القُعودِ بالعَجزِ عن القِيامِ، فدلَّ على أنَّه لا يَجوزُ مع القُدرةِ عليه، ولأنَّه رُكنٌ مِنْ أركانِ الصَّلاةِ، لم يَجُز تَركُه لِلعَجزِ عنه، كالقِراءةِ، ولأنَّه مُتمَكِّنٌ مِنْ القِيامِ في الفَرضِ، كالقادِرِ على الرُّكوعِ، ولأنَّ البَدلَ إنَّما يَكونُ لِلعَجزِ عن المُبدَلِ، لا مع العَجزِ عن غيرِه.

مَسألةٌ: العاجِزُ عن القِيامِ إذا ابتَدَأَ الصَّلاةَ جالسًا، ثم قدَر على القِيامِ،


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ١٠٦، ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>