للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائرِ الأولياءِ؛ إذ كانَ هو أقربَ الأولياءِ، ولا نَعلمُ في جوازِ ذلكَ خِلافًا بينَ السَّلفِ والخلَفِ مِنْ فُقهاءِ الأمصارِ، إلَّا شَيئًا رواهُ بِشرُ بنُ الوليدِ عن ابنِ شُبرمةَ أنَّ تَزويجَ الآباءِ على الصِّغارِ لا يَجوزُ، وهو مَذهبُ الأصَمِّ، ويَدلُّ على بُطلانِ هذا المَذهبِ سِوى ما ذكَرْنا مِنْ دَلالةِ هذهِ الآيةِ قولُه تعالَى: ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤]، فحكَمَ بصِحةِ طلاقِ الصغيرةِ الَّتي لم تَحِضْ، والطلاقُ لا يَقعُ إلَّا في نكاحٍ صَحيحٍ، فتَضمَّنَتِ الآيةُ جوازَ تزويجِ الصغيرةِ.

ويَدلُّ عليه أنَّ النبيَّ تزوَّجَ عائشةَ وهي بِنتُ سِتِّ سنينَ، زوَّجَها إياهُ أبو بكرٍ الصِّديقُ ، وقد حوَى هذا الخبَرُ مَعنيَينِ: أحَدُهما جَوازُ تزويجِ الأبِ الصغيرةَ، والآخَرُ: أنْ لا خِيارَ لها بعدَ البُلوغِ؛ لأنَّ النبيَّ لم يُخيِّرْها بعدَ البلوغِ (١).

وقالَ الكَيا هراسِيُّ : إنَّ نكاحَ الصغيرةَ ليسَ بَعيدًا عن المَصلحةِ، ولذلكَ اطَّردَتْ به العادَةُ واستَمرَّتْ عليه العامَّةُ، فإنَّ المَقصودَ منه الأُلفةُ، فإذا أُلفيَتِ المرأةُ صَغيرةً لم تُمارِسِ الرِّجالَ ولم تَعرفِ الهوَى تَرسَّخَتِ المودَّةُ بينَهُما، فقد قيلَ في المَثلِ:

ما الحُبُّ إلَّا للحَبيبِ الأولِ ..


(١) «أحكام القرآن» (٢/ ٣٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>