للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفاءةَ، فلا يَبطلُ شيءٌ مِنْ حُقوقِه بالغَيبةِ، فالأبعَدُ لا يزوِّجُها؛ لبَقاءِ ولايةِ الأقرَبِ، وكذلكَ السُّلطانُ لا يزوِّجُها؛ لأنَّ ولايةَ السلطانِ متأخِّرةٌ عن ولايةِ الأبعدِ، فإذا لم تَثبتِ الولايةُ للأبعَدِ هُنا فالسلطانُ أَولى، بخِلافِ ما إذا عضَلَها؛ لأنَّ هناكَ هو ظالمٌ في الامتناعِ مِنْ إيفاءِ حَقٍّ مُستحَقٍّ عليهِ، فيَقومُ السلطانُ مَقامَه في دفعِ الظلمِ؛ لأنه نُصِّبَ لذلكَ، وهنا الأقربُ غيرُ ظالمٍ في سفَرهِ، خُصوصًا إذا سافَرَ للحَجِّ، وهو غيرُ مُمتنِعٍ مِنْ إيفاءِ حَقٍّ مُستحَقٍّ عليه ليَقومَ السلطانُ مَقامَه في الإيفاءِ، فيُتأخَّرُ إلى حُضورِه (١).

وأمَّا المالِكيةُ فعندَهم تَفصيلٌ في الغَيبةِ، إمَّا أنْ يكونَ الغائِبُ هو الوليُّ المُجبِرُ، أو يكونَ الأقرَبَ غيرَ المُجبِرِ، فقالُوا: الغَيبةُ لها ثلاثةُ أقسامٍ:

القِسمُ الأولُ: إذا غابَ الأبُ -أو المالِكُ للأمَةِ أو وَصيُّ الأبِ-غَيبةً قَريبةً كعشَرةِ أيَّامٍ ونحوِها ذَهابًا مع أمْنِ الطريقِ وسُلوكِها فلا يَجوزُ للحاكِمُ ولا مَنْ بعدَه مِنْ الأولياءِ كأخٍ وجَدٍّ أنْ يزوِّجَ المرأةَ المُجبَرةَ -بِكرًا كانَتْ أو ثَيبًا، صَغيرةً أو كَبيرةً مَجنونةً- في غَيبةِ أبيها؛ لأنه في حُكمِ الحاضِرِ؛ لإمكانِ إيصالِ الخبَرِ إليه بلا كبيرِ مَشقَّةٍ، ولقولِ النبيِّ : «تُستأْمَرُ اليَتيمةُ في نَفسِها» (٢)، فدَلَّ على أنَّ ذاتَ الأبِ بخِلافِها، ولأنَّ حَقَّ الولايةِ والإجبارِ ثابتٌ له، وما قَرُبَ مِنْ الغَيبةِ في حُكمِ الحضَرِ، فلمْ يَكنْ لأحدٍ الافتياتُ عليهِ كما لو كانَ حاضِرًا، ولأنَّ الأبَ لو أمسَكَ عن إنكاحِها لم يكنْ لأحدٍ الافتياتُ


(١) المصادر السابقة.
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٠٩٣)، والنسائي (٣٢٧٠)، وأحمد (١٩٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>