النَّظرِ التفويضُ إلى مَنْ لا يُنتفَعُ برأيِه، ففوَّضْناهُ إلى الأبعَدِ، وهو مقدَّمٌ على السُّلطانِ كما إذا ماتَ الأقربُ، ولو زوَّجَها السُّلطانُ مع حُضورِه لم يَجُزْ.
وذلكَ أنَّ ثُبوتَ الوِلايةِ لمعنَى النظرِ للمُولَّى عليهِ، حتَّى لا يَثبتُ إلَّا على مَنْ هو عاجِزٌ عن النظرِ لنفسِه، وجُعِلَ الأقرَبُ مُقدَّمًا لأنَّ نظَرَه لها أكثَرُ؛ لزِيادةِ القُربِ، ثمَّ النظرُ لها لا يَحصلُ بمُجرَّدِ رأيِ الأقرَبِ، بل رأيُ حاضِرٍ مُنتفَعٌ به، وقد خرَجَ رأيُه مِنْ أنْ يكونَ مُنتفَعًا به في هذه الحالِ بهذهِ الغَيبةِ، فالتَحقَ بمَن لا رأيَ له أصلًا كالصَّغيرِ والمَجنونِ، ورأيُ الأبعدِ خلَفٌ عن رأيِ الأقرَبِ، وفي ثُبوتِ الحُكمِ للخلَفِ لا فرقَ بينَ انعدامِ الأصلِ وبينَ كونِه غيرَ مُنتفَعٍ به، أَلَا ترَى أنَّ التُّرابَ لمَّا كانَ خلَفًا عن الماءِ في حُكمِ الطهارةِ فمعَ وُجودِ الماءِ النجسِ يكونُ الترابُ خلَفًا كما أنَّ عندَ عدمِ الماءِ يكونُ الترابُ خلَفًا؛ لأنَّ الماءَ النجسَ غيرُ مُنتفَعٍ به في حُكمِ الطهارةِ، فهو كالمَعدومِ أصلًا، ونَظيرُه الحَضانةُ والتربيةُ يقدَّمُ فيه الأقرَبُ، فإذا تزوَّجَتِ الأقرَبُ حتَّى اشتغَلَتْ بزوجِها كانتِ الولايةُ للأبعَدِ، وكذلكَ النفقةُ في مالِ الأقرَبِ، فإذا انقطَعَ ذلك ببُعدِ مالِه وجبَتِ النفقةُ في مالِ الأبعدِ.
فأمَّا إذا زوَّجَها الأقرَبُ حيثُ هو فإنما يَجوزُ لأنها انتفَعَتْ برأيِه، ولكنَّ هذه المنفعةَ حصَلَتْ لها اتفاقًا، فلا يَجوزُ بناءُ الحُكمِ عليه، فلهذا تَثبتُ الولايةُ للأبعدِ، تَوضيحُه أنَّ للأبعَدِ قرْبَ التدبيرِ وبُعدَ القرابةِ، وللأقربِ