للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي عبدُ الوهابِ المالِكيُّ : وَصيةُ الأبِ على إنكاحِ البكرِ تَصحُّ ويَملكُ الوصيُّ بها عقْدَ النكاحِ بإذنها، خِلافًا لأبي حَنيفةَ والشافعيِّ؛ لحَديثِ قُدامةَ بنِ مَظعونٍ لمَّا قالَ: أنا عَمُّها ووَصيٌّ منها، فقالَ : «إنَّها يَتيمةٌ، لا تُنكَحُ إلا بإذنِها» (١)، مَوضعُ التعلُّقِ أنه ذكَرَ السبَبَ الذي اعتَقدَ أنه يَملكُ به أنْ يَعقدَ، وهو كَونُه عَمًّا ووَصيًّا، فلمْ يُنكرْ عليه ولا قالَ: ليسَ للوصيِّ أنْ يَعقدَ نكاحَها، بل عدَلَ إلى أنْ علَّلَ منْعَ العقدِ بمعنًى يَرجعُ إلى حالِها، وهو اليُتْمُ، لا إلى صِفةِ الوليِّ، فدلَّ على ما قُلناه، ولأنها ولايةٌ كانَتْ ثابتةً للأبِ حالَ حياتِه، فكانَ له نَقلُها إلى مَنْ يَختارُ حالَ وفاتِه كولايةِ المالِ، ولأنها تَوليةٌ مِنْ الأبِ في إنكاحِ مَنْ يَلي عليه كالوكيلِ (٢).

وقالَ الحَنابلةُ: وَصيُّ كلِّ واحدٍ مِنْ الأولياءِ في النكاحِ بمَنزلتِه؛ لقِيامِه مَقامَه، فتُستفادُ ولايةُ النكاحِ بالوَصيةِ إذا نَصَّ له على التزويجِ، مُجبِرًا كانَ الوليُّ كأبٍ أو غيرَ مُجبِرٍ كأخٍ لغيرِ أمٍّ وكذا عَمٍّ وابنِه؛ لأنها وِلايةٌ ثابتةٌ


(١) رواه الدارقطني في «سننه» (٣٥٤٦) عن مُحمدِ بنِ إسحاقَ عن نافعٍ عنِ ابنِ عُمرَ قالَ: «زوَّجَنِي خالِي قُدامةُ بنُ مَظعونٍ بنتَ أخيهِ عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، فدخَلَ المُغيرةُ بنُ شُعبةَ على أمِّها فأرغَبَها في المالِ وخطَبَها إليها، فرُفعَ شأنُها إلى النبيِّ فقالَ قُدامةُ: يا رسولَ اللَّهِ ابنةُ أخي وأنا وَصيُّ أبيها ولمْ أُقصِّرْ بها، زوَّجتُها مَنْ قد عَلِمْتُ فضْلَه وقَرابتَه، فقالَ رسولُ اللَّهِ : «إنها يَتيمةٌ واليتيمةُ أَولى بأمرِها»، فنُزعَتْ منِّي وزوَّجَها المُغيرةِ بنَ شُعبةَ.
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٩٣) رقم (١١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>