للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتصرَّفِ فيهِ كما في البَيعِ والإجارةِ وسائرِ التصرُّفاتِ، ولأنَّ العبدَ مِلكُه بجَميعِ أجزائِه مُطلَقًا؛ لِمَا ذكَرْنا مِنْ الدَّلائلِ فيما تقدَّمَ، ولكُلِّ مالكٍ ولايةُ التصرُّفِ في مِلكِه إذا كانَ التصرُّفُ مَصلحةً، وإنكاحُ العبدِ مَصلحةٌ في حَقِّه؛ لِمَا فيه مِنْ صِيانةِ مِلكِه عن النُّقصانِ بواسِطةِ الصِّيانةِ عن الزِّنا.

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ في رِوايةٍ والشَّافعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ إلى أنه لا يزوِّجُه إلا برِضاهُ.

وجهُ هذهِ الرِّوايةِ أنَّ مَنافعَ بُضعِ العبدِ لم تَدخلْ تحتَ مِلكِ المَولَى، بل هو أجنَبيٌّ عنها، والإنسانُ لا يَملكُ التصرُّفَ في مِلكِ غيرِه مِنْ غيرِ رِضاهُ، ولهذا لا يَملكُ إنكاحَ المُكاتَبِ والمُكاتَبةِ، بخِلافِ الأمَةِ؛ لأنَّ مَنافعَ بُضعِها مَملوكةٌ للمَولَى، ولأنَّ نِكاحَ المُكرَهِ لا ينفذُ ما وُضعَ له مِنْ المَقاصدِ المَطلوبةِ منه؛ لأنَّ حُصولَها بالدوامِ على النكاحِ والقرارِ عليهِ، ونكاحُ المُكرَهِ لا يَدومُ، بل يُزيلُه العبدُ بالطلاقِ، فلا يُفيدُ فائِدةً.

ولأنه مُكلَّفٌ يَملكُ الطلاقَ، فلا يُجبَرُ على النكاحِ كالحُرِّ، ولأنَّ النكاحَ خالِصُ حَقِّه ونَفعُه لهُ، فأشبَهَ الحُرَّ، والأمرُ بإنكاحِه مُختَصٌّ بحالِ طَلبِه؛ بدَليلِ عَطفِه على الأيَامَى، وإنما يُزوَّجْنَ عندَ الطلبِ، ومُقتضَى الأمرِ الوُجوبُ، وإنما يَجبُ تَزويجُه عندَ طَلبِه، وأما الأمَةُ فإنه يَملكُ مَنافعَ بُضعِها والاستِمتاعَ بها، بخِلافِ العبدِ.

ولأنَّ النكاحَ سَببٌ يُملَكُ به الاستِمتاعُ، فلمْ يَملكِ المَولَى إجبارَ عبدِه

<<  <  ج: ص:  >  >>