للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمَّةِ أيضًا؛ فإنَّ الناسَ عن آخِرِهم عامَّهم وخاصَّهم مِنْ لَدُنْ رَسولِ اللهِ إلى يومِنا هذا يزوِّجونَ بناتِهم مِنْ غيرِ نَكيرٍ مِنْ أحَدٍ، خُصوصًا الأعرابُ والأكرادُ والأتراكُ، ولأنَّ هذهِ ولايةُ نَظرٍ، والفِسقُ لا يَقدحُ في القُدرةِ على تَحصيلِ النظرِ ولا في الدَّاعِي إليهِ وهو الشَّفقةُ، وكذا لا يَقدحُ في الوِراثةِ، فلا يَقدحُ في الوِلايةِ كالعَدلِ.

ولأنَّ الفاسِقَ مِنْ أهلِ الوِلايةِ على نَفسِه، فيكونُ مِنْ أهلِ الوِلايةِ على غيرِه كالعَدلِ، ولهذا قَبِلْنا شَهادتَه، ولأنه مِنْ أهلِ أحَدِ نَوعَي الولايةِ، وهو ولايةُ المِلكِ، حتَّى يزوِّجُ أمَتَه، فيكونُ مِنْ أهلِ النوعِ الآخَرِ (١).

وقالَ المالِكيةُ في المَشهورِ: الفِسقُ لا يَسلبُ الوِلايةَ ولا يُزيلُ ولايتَه، فلا تَنتقلُ الولايةُ عنهُ للأبعَدِ؛ إذِ الفِسقُ لا يَسلبُ الولايةَ على الأرجَحِ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ فعَمَّ، ولأنه عصَبةٌ حُرٌّ مُسلمٌ عاقِلٌ بالغٌ، ولأنه ملَكَ أنْ يزوِّجَ نفْسَه، فجازَ أنْ يكونَ وليًّا في عَقدِ النكاحِ كالعَدلِ، ولأنَّ الفِسقَ لا يُؤثِّرُ في المَقصودِ بوِلايةِ النكاحِ، فلمْ يَكنْ مانِعًا منها.

إلَّا أنَّ الفسقَ يَسلبُ كَمالَ الولايةِ، فإذا كانَ مع الفاسِقِ عَدلٌ في درَجتِه فالعَدلُ أَولى بالتَّقديمِ مِنْ الفاسِقِ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٣٩).
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٢٩٥، ٢٩٦) رقم (١١٢٩)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٥٠٤)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٨٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٨)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥٦٧، ٥٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>