للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه؛ بدَليلِ أنَّ حُقوقَ النكاحِ والعَقدِ لا تَرجعُ إلى الوَكيلِ، وإذا كانَ مُعبِّرًا عنه وله وِلايةٌ على الزَّوجينِ فكانَتْ عِبارتُه كعِبارةِ المُوكِّلِ، فصارَ كَلامُه ككَلامِ شَخصينِ، فيُعتبَرُ إيجابُه كَلامًا للمَرأةِ كأنها قالَتْ: «زوَّجتُ نفْسِي مِنْ فُلانٍ»، وقَبولُه كَلامًا للزَّوجِ كأنه قالَ: «قَبلْتُ»، فيَقومُ العَقدُ باثنَينِ حُكمًا، والثابِتُ بالحُكمِ مُلحَقٌ بالثابتِ حَقيقةً.

ولأنَّ الفُقهاءَ لا يَختلِفونَ أنه يَجوزُ أنْ يهَبَ لمَن له وِلايةٌ عليها ويكونُ هو العاقِدَ والقابِضَ، وكذلكَ النكاحُ، أَلَا تَرَى أنَّ النبيَّ زوَّجَ المرأةَ مِنْ الرَّجلِ بما مَعهُ مِنْ القُرآنِ، فكذلكَ كانَ له أنْ يُزوِّجَها مِنْ نفْسِه لو قَبِلَها كما فعَلَ في خبَرِ صَفيةَ حينَ جعَلَ عِتقَها صَداقَها، وكذلكَ فعَلَ في أمرِ جُوَيريةَ قضَى كِتابتَها وتزوَّجَها كما فعَلَ في حَديثِ صَفيةَ سَواءً، فهذا رسولُ اللهِ زوَّجَ مَولاتَه مِنْ نَفسِه، وهو الحجَّةُ على مَنْ سِواهُ.

ولأنه يَملكُ الإيجابَ والقَبولَ، فجازَ أنْ يَتولَّاهُما، كما لو زوَّجَ أمَتَه عبْدَه الصَّغيرَ، ولأنه عَقدٌ وُجدَ فيه الإيجابُ مِنْ وليٍّ ثابتِ الوِلايةِ والقَبولُ مِنْ زَوجٍ هو أهلٌ للقَبولِ، فصَحَّ كما لو وُجِدَا مِنْ رَجلينِ.

إلَّا أنَّ هَؤلاءِ اختَلفُوا أيضًا في هل يَفتقِرُ إلى ذِكرِ الإيجابِ والقَبولِ؟ أم يَكتفِي بمُجرَّدِ الإيجابِ؟ فيه قَولانِ:

أحَدُهما -وهو وَجهٌ للحَنابلةِ-: يَحتاجُ أنْ يقولَ: «زوَّجتُ نفسِي

<<  <  ج: ص:  >  >>