ويُشتَرطُ القَبولُ على الفَورِ، فلا يَضُرُّ الفَصلُ اليَسيرُ ويَضرُّ الطَّويلُ، وهو ما أشعَرَ بإعراضِه عنِ القَبولِ، فإذا تَخلَّلَ بينَ الإيجابِ والقَبولِ زَمانٌ طَويلٌ لم يَصحَّ، وإنْ تخلَّلَ بينَهُما زَمانٌ يَسيرٌ يَجرِي مَجرَى بَلعِ الرِّيقِ وقَطعِ النَّفَسِ صَحَّ؛ لأنَّ ذلكَ لا يُمكِنُ الاحتِرازُ منه.
وإذا وُجِدَ أحَدُ شِقَّيِ العَقدِ مِنْ أحدِ العاقدَينِ فلا بُدَّ مِنْ إصرارِه عليهِ حتَّى يُوجَدَ الشِّقُّ الآخَرُ، فلو رجَعَ عنه لغَا العَقدُ، وكذا لو أوجَبَ الوليُّ ثمَّ جُنَّ أو أُغمِيَ عليه ثمَّ قَبِلَ الزَّوجُ، أو استِدعَى الزَّوجُ النكاحَ ثمَّ زالَ عَقلُه قبْلَ إيجابِ الوَليِّ ثم أوجَبَ له الوليُّ لم يَصحَّ.
وكذا لو أذنَتِ المرأةُ في تَزويجِها حيثُ يُعتبَرُ إذنُها ثمَّ أُغمِيَ عليها أو جُنَّتْ قبْلَ العَقدِ بطَلَ إذنُها وبطَلَ العَقدُ؛ لأنَّ العَقدَ جائزٌ قبْلَ تَمامِه، وكذلكَ الإذنُ، فانفسَخَ كالوَكالةِ والشَّركةِ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ إلى أنه لا يُشترطُ الفَورُ بينَ الإيجابِ والقَبولِ، فإنْ تأخَّرَ القَبولُ عنِ الإيجابِ صَحَّ ما دامَا في المَجلسِ ولم يَتشاغَلَا بما يَقطعُه عُرفًا ولو طالَ الفَصلُ، قالَ الحَنابلةُ: لأنَّ حُكمَ المَجلسِ حُكمُ حالةِ العَقدِ، وإنْ تفرَّقَا قبلَ القَبولِ أو تَشاغلَا بما يَقطعُه عُرفًا بطَلَ الإيجابُ؛ للإعراضِ عنه، وكذا لو جُنَّ أو أُغمِيَ عليه قبْلَ القَبولِ، ولا يَبطلُ
(١) «البيان» (٩/ ٢٣٦)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٦٧٩، ٦٨٠)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٥٢).