صلَّى بالسُّترةِ، وقولُه ﷺ:«لا يَقبَلُ اللهُ صَلاةَ حائِضٍ إلا بِخِمارٍ»، والاتِّفاقُ على أَنَّه مَأمورٌ بسَترِ العَورةِ مَحظورٌ عليه كَشفُها في غير الصَّلاةِ، ومُؤكَّدٌ وُجوبُها في الصَّلاةِ، والقولُ بأنَّه ليس مِنْ شُروطِ الصِّحةِ يَنفي ذلكَ.
ووَجهُ الثَّاني: قُولهُ ﵇: «لا تَتِمُّ صَلاةُ أحَدِكم حتى يَتوضَّأَ كما أَمرَهُ اللهُ»، إلى أَنْ قالَ:«ثم يَستَقبِلَ القِبلَةَ فيُكبِّرَ»، فأخبَرَ عمَّا تَتِمُّ بهِ الصَّلاةُ، ولم يَذكُر ما تَنازَعناهُ، ولأنَّ صفَةَ الشَّيءِ بأنَّه شَرطٌ في بعضِ العِباداتِ أو فَرضٌ مِنْ فُروضِها يُفيدُ اختِصاصَه به، وأنَّه يجبُ بوُجوبِها، ويسقطُ وُجوبُه بسُقوطِ وُجوبِ ما أُضيفَ إليه، كالوُضوءِ للصَّلاةِ والتَّيمُّمِ والنَّيَّةِ، وكالصَّومِ في الاعتِكافِ والإحِرامِ في الحَجِّ وسائرِ فُروضِ العِباداتِ، ووَجَدنا سَترَ العَورةِ لا يَختَصُّ وُجوبُه بالصَّلاةِ؛ لأنَّه يَلزمُه سَترُها في غيرِها، فعُلم أنَّه ليس مِنْ شَرطِها، ولأنَّ كلَّ ما كانَ مِنْ فُروضِ الصَّلاةِ، فلا بدَّ عندَ عدمهِ من بَدلٍ يَقومُ مَقامَه عندَ العَجزِ عنه في أَداءِ العِباداتِ، كالوُضوءِ وغيرِهِ، وفي الاتِّفاقِ على أنَّ مَنْ لم يَجِد ما يَسترُ عَورتهُ، وخافَ ذَهابَ الوقتِ أن يُصلِّيَ عُريانًا، دَليلٌ على أنَّ السُّترةَ ليست مِنْ شُروطِ الصَّلاةِ، ولا يَدخلُ عليه التَّيمُّمُ؛ لأنَّه إذا عجَزَ عنه لم يُصلِّ إلا في الوقتِ؛ لأنَّ منه بَدلًا يَقومُ مَقامَه، وهو الوقتُ الذي يُقتضى فيه (١).
(١) «الإشراف على نُكت مسائل الخلاف» (١/ ٢٩٩، ٣٠٠) رقم (٢١٦)، و «الاستذكار» (٢/ ١٩٦)، و «الكافي» (١/ ٦٤)، و «الذخيرة» (٢/ ١٠١، ١٠٢)، و «بداية المجتهد» (١/ ١٦٤)، و «الشَّرح الكبير» (١/ ٢١١)، و «مواهب الجليل» (١/ ٤٦٧)، و «الإفصاح» (١/ ١٣٩، ١٥١، ٣١٦)، و «تفسير القرطبي» (٧/ ١٨٢).