ودَلالةُ الوَصفِ قولُه تعالَى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ﴾ [لقمان: ٥٠] مَعطوفًا على قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ [لقمان: ٥٠]، أخبَرَ اللهُ تعالَى أنَّ المرأةَ المُؤمِنةَ التي وهَبَتْ نفْسَها للنبيِّ ﷺ عندَ استِنكاحِه إيَّاها حَلالٌ له، وما كانَ مَشروعًا في حَقِّ النبيِّ ﷺ يكونُ مَشروعًا في حَقِّ أمَّتِه، هو الأصلُ حتَّى يَقومَ دَليلُ الخُصوصِ.
قالَ الكاسانِيُّ ﵀: فإنْ قيلَ: قد قامَ دَليلُ الخُصوصِ ههُنا، وهو قولُه تعالَى: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فالجَوابُ: أنَّ المُرادَ منهُ: خالِصةً لكَ مِنْ دونِ المُؤمنِينَ بغَيرِ أجْرٍ -مَهرٍ-، فالخُلوصُ يَرجعُ إلى الأجرِ لا إلى لَفظِ الهبةِ لوُجوهٍ:
أحَدُها: ذكَرَه عَقيبَه، وهو قولُه ﷿: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ﴾ [لقمان: ٥٠]، فدَلَّ أنَّ خُلوصَ تلكَ المرأةِ له كانَ بالنكاحِ بلا فَرضٍ منه.
والثَّاني: أنهُ قالَ تعالَى: ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾، ومَعلومٌ أنه لا حرَجَ كانَ يَلحقُه في نَفسِ العِبارةِ، وإنَّما الحرَجُ في إعطاءِ البَدلِ.
والثَّالثُ: أنَّ هذا خرَجَ مَخرجَ الامتِنانِ عليه وعلى أمَّتِه في لَفظِ الهِبةِ ليسَتْ تلكَ في لَفظةِ التَّزويجِ، فدَلَّ أن المِنَّة فيما صارَتْ له بلا مَهرٍ، فانصرَفَ الخُلوصُ إليه.