للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها الكَشفُ بينَ يَدِي أمَتِها، ولم يَزُلْ هذا الإشكالُ بقولِه تعالَى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾؛ لأنَّ مُطلَقَ هذا اللَّفظِ يَتناولُ الحَرائرَ دونَ الإماءِ، والمَعنى فيه أنه ليسَ بينَهُما زَوجيَّةٌ ولا مَحرميةٌ، وحِلُّ النَّظرِ إلى مَواضعِ الزِّينةِ الباطنةِ يَنبني على هذا السَّببِ، وحُرمةُ المُناكَحةِ الَّتي بينَهُما بعَارضٍ على شَرفِ الزَّوالِ، فكانَتْ في حَقِّه بمَنزلةِ مَنكوحةِ الغيرِ أو مُعتدَّتِه، ولأنَّ وُجوبَ الستْرِ عليها وحُرمةَ الخَلوةِ بالرَّجلِ لمعنَى خوفِ الفتنةِ، وذلكَ موجودٌ هاهُنا، وإنما يَنعدمُ بالمَحرميةِ لأنَّ الحُرمةَ المُؤبَّدةِ تُقلِّلُ الشهوةَ، فأمَّا المِلكُ لا يُقلِّلُ الشهوةَ، بل يَحمِلُها على رَفعِ الحِشمةِ، ومعنَى البلوَى لا يَتحقَّقُ؛ لأنَّ اتِّخاذَ العَبيدِ للاستِخدامِ خارجَ البيتِ لا داخلَ البيتِ، على ما قيلَ: «مَنْ اتَّخذَ عبدًا للخِدمةِ داخلَ بيتِه فهو كَشْحانُ» (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه يَجوزُ للعَبدِ أنْ يَرَى مِنْ مَولاتِه شعْرَها؛ لأنَّ الحاجَةَ مُتحقِّقةٌ لدُخولِه عليها مِنْ غيرِ استِئذانٍ، ولِما رُويَ عن عنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: «لا بأسَ أنْ يَنظرَ المَملوكُ إلى شَعرِ مَولاتِه».

قالَ أبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ : إلى هذا ذهَبَ مالِكٌ، وأجازَ نظَرَ العبدِ إلى شَعرِ مَولاتِه، ورُويَ مثلُ ذلكَ عن بعضِ أمَّهاتِ المُؤمنينَ، وقالَتْ به طائِفةٌ (٢).


(١) «المبسوط» (١٠/ ١٥٧، ١٥٨)، و «الهداية» (٤/ ٨٧)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٦٤).
(٢) «التمهيد» (١٢/ ٢٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>