للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أنَّ عدَمَ حَجْبِ الإماءِ كانَ مُستفيضًا بينَهُم مَشهورًا، وأنَّ الحَجبَ لغيرِهنَّ كانَ مَعلومًا.

قالَ ابنُ قُدامةَ : لكنْ إنْ كانَتِ الأمَةُ جَميلةً يُخافُ الفِتنةُ بها حَرُمَ النَّظرُ إليها، كما يَحرمُ النَّظرُ إلى الغُلامِ الَّذي تُخشَى الفِتنةُ بالنَّظرِ إليهِ، قالَ أحمَدُ في الأمَةِ إذا كانَتْ جَميلةً: تَنتقِبُ، ولا يُنظَرُ إلى المَملوكةِ، كم مِنْ نَظرةٍ ألقَتْ في قَلبِ صاحِبِها البَلابلَ (١).

وذهَبَ الشَّافعيةُ في قَولٍ -وهو ما رجَّحَه العَمرانِيُّ والنَّوويُّ والغَزاليُّ والجرجانِيُّ والقاضي أبو الطَّيبِ وابنُ أبي عصرونَ وغيرُهم- وبعضُ الحَنابلةِ إلى أنَّ عَورةَ الأمَةِ كعَورةِ الحُرَّةِ، فلا يَجوزُ له أنْ يَنظرَ منها إلَّا للوَجهِ والكفَّينِ فقط؛ لقولِه تعالَى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١]، ولقولِه تعالَى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠]، فيَحرمُ النَّظرُ إليها مُطلَقًا، ورُبَّ أمَةٍ أجمَلُ مِنْ حَرائرَ، ولأنَّ العلَّةَ في تَحريمِ النَّظرِ الخَوفُ مِنْ الفِتنةِ، والفِتنةُ المَخوفةُ تَستوي فيها الحرَّةُ والأمَةُ، فإنَّ الحُريةَ حُكمٌ لا يُؤثِّرُ في الأمر الطَّبيعيِّ.

قالَ في «الرَّوضة»: إنها كالحُرَّةِ، وهذا غَريبٌ لا يَكادُ يُوجَدُ لغيرِ الغَزاليِّ.


(١) «المغني» (٧/ ٧٩)، والمجموع (٣/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>