للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الشَّافعيةُ في مُقابلِ الأصَحِّ والحَنابلةُ في قَولٍ رجَّحَه جَمعٌ مِنْ الحَنابلةِ إلى أنها عَورةٌ إلا ما يَظهرُ مِنها في المِهنةِ ويَنكشفُ في حالِ خِدمتِها وتَصرُّفِها، كالرَّأسِ والرَّقبةِ وطَرفِ الساعِدِ ليسَ بعَورةٍ، وما عداهُ عَورةٌ كما يَقولُ الشَّافعيةُ، أو ما يَظهرُ منها غالبًا كالوَجهِ والرَّأسِ واليَدينِ والسَّاقينِ كما يَقولُ ابنُ قُدامةَ وغيرُه مِنْ الحَنابلةِ؛ وذلكَ لأنَّ عُمرَ «ضرَبَ أمَةً لآلِ أنَسٍ رَآها مُتقنِّعةً، وقالَ: اكشِفِي رَأسَكِ ولا تَشبَّهي بالحَرائرِ»، وهذا يَدلُّ على أنَّ هذا كانَ مَشهورًا بينَ الصَّحابةِ لا يُنكَرُ، حتى أنكَرَ عُمرَ مُخالَفتَه.

وقالَ أبو قِلابةَ: إنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ كانَ لا يَدعُ أمَةً تَقنَّعُ في خِلافتِه، وقالَ: «إنَّما القِناعُ للحَرائرِ»، ولو كانَ نَظرُ ذلكَ منها مُحرَّمًا لم يَمنعْ مِنْ سَترهِ، بل أمَرَ بهِ.

وعن أنَسٍ قالَ: «أقامَ النبيُّ بينَ خَيبرَ والمدينةِ ثلاثًا يَبني عليه بصَفيَّةَ بنتِ حُييٍّ، فدَعوتُ المُسلمينَ إلى وَليمتِه، فما كانَ فيها مِنْ خُبزٍ ولا لَحمٍ، أمَرَ بالأنطَاعِ فأُلقيَ فيها مِنْ التَّمرِ والأقِطِ والسَّمْنِ فكانَتْ وَليمتَهُ، فقالَ المُسلمونَ: إحدَى أمَّهاتِ المُؤمنينَ أو ممَّا ملَكَتْ يَمينُه؟ فقالُوا: إنْ حجَبَها فهي مِنْ أمَّهاتِ المُؤمنينَ، وإنْ لم يَحجُبْها فهي ممَّا ملَكَتْ يَمينُه، فلمَّا ارتَحلَ وَطَّى لها خَلْفَه ومَدَّ الحِجابَ بينَها وبينَ النَّاسِ» (١)، وهذا دَليلٌ


(١) رواه البخاري (٤٨٦٤)، ومسلم (١٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>