أمَّا الحاجاتُ: فكَنَظرِ كُلِّ واحِدٍّ مِنْ الزَّوجينِ إلى صاحِبِه، وكذلكَ نظَرُ المالِكِ إلى أمَتِه الَّتي تَحلُّ له، ونظَرُها إليه، وكذلكَ نظَرُ الشُّهودِ لتَحمُّلِ الشَّهاداتِ، ونظَرُ الأطبَّاءِ لحاجَةِ المُداواةِ، والنَّظرُ إلى الزَّوجةِ المَرغوبِ في نِكاحِها قبلَ العَقدِ عليها إنْ كانَتْ ممَّن تُرجَى إجابتُها.
وكذلكَ يَجوزُ النَّظرُ لإقامَةِ شَعائرِ الدِّينِ، كالخِتانِ وإقامَةِ الحَدِّ على الزُّناةِ، وإذا تَحقَّقَ الناظِرُ إلى الزَّانيَينِ مِنْ إيلاجِ الحشَفةِ في الفَرْجِ حَرُمِ عليهِ النَّظرُ بعدَ ذلكَ؛ إذْ لا حاجةَ إليهِ، وكذلكَ لو وقَفَ الشَّاهدُ على العَيبِ أو الطَّبيبُ على الدَّاءِ فلا يَحلُّ له النَّظرُ بعدَ ذلك؛ لأنهُ لا حاجَةَ إليه لِذلكَ؛ لأنَّ ما أُحِلَّ إلَّا لضَرورةٍ أو حاجةٍ يُقدَّرُ بقَدرِها ويُزالُ بزَوالِها.
وأمَّا الضَّروراتُ: فكَقَطعِ السِّلعِ المُهلِكاتِ ومُداواةِ الجِراحاتِ المُتلِفاتِ، ويُشترطُ في النَّظرِ إلى السَّوءاتِ لقُبحِها مِنْ شِدَّةِ الحاجةِ ما لا يُشترطُ في النَّظرِ إلى سائِرِ العَوراتِ، وكذلكَ يُشترطُ في النَّظرِ إلى سَوأةِ النِّساءِ مِنْ الضَّرورةِ والحاجةِ ما لا يُشترطُ في النَّظرِ إلى سَوأةِ الرِّجالِ؛ لِمَا في النَّظرِ إلى سَوآتِهنَّ مِنْ خَوفِ الافتِتانِ، وكذلكَ ليسَ النَّظرُ إلى ما قارَبَ الرُّكبتَينِ مِنْ الفَخِذينِ كالنَّظرِ إلى الأليتَينِ (١).
وقالَ الحَنابلةُ: يُباحُ للشَّاهدِ نظَرُ مَشهودٍ عليها تَحمُّلًا وأداءً عندَ المُطالَبةِ منه؛ لتَكونَ الشَّهادةُ واقِعةً على عَينِها، قالَ أحمَدُ: لا يَشهدُ على امرأةٍ إلَّا أنْ يكونَ قد عرَفَها بعَينِها.
(١) «قواعد الأحكام في مصالح الأنام» (٢/ ١٤٠، ١٤١).