بخِلافِ النَّظرِ إلى وَجهِ الذَّكرِ فيَجوزُ، ويَنبغِي تَقييدُه بما إذا لم يَخْشَ المُعلِّمُ بإدامَةِ النَّظرِ إليه الافتِتانَ به، وإلَّا حَرُمَ النَّظرُ إليه مِنْ غيرِ خِلافٍ.
واعلَمْ أنَّ المرأةَ إذا كانَ يُخشَى مِنْ رُؤيتِها الفِتنةُ وجَبَ عليها ستْرُ جَميعِ جَسدِها، حتَّى وجْهِها وكَفَّيها، وأمَّا إنْ لم يُخْشَ مِنْ رُؤيتِها ذلكَ فإنما يَجبُ عليها ستْرُ ما عدَا وَجهِها وكَفَّيها، ولِمَا قالَه القاضي عِياضٌ وغيرُه مِنْ أنه لا يَجبُ على المرأةِ ستْرُ وَجهِها وكَفَّيها وإنَّما يُستحبُّ لها ذلكَ، وعلى الرَّجل غَضُّ بَصرِه عنِ النَّظرِ إليها بشَهوةٍ، هذا مُلخَّصُ كَلامِهم.
وأقولُ: الَّذي يَقتضيهُ الشَّرعُ وُجوبِ سَتْرِها وجْهَها في هذا الزَّمانِ، لا لأنهُ عَورةٌ، وإنَّما ذلكَ لِمَا تُعُورِفَ عندَ أهلِ هذا الزمانِ الفاسدِ أنَّ كشْفَ المرأةِ وجْهَها يُؤدِّي إلى تَطرُّقِ الألسِنةِ إلى قَذفِها، وحِفظُ الأعراضِ واجِبٌ كحِفظِ الأدْيانِ والأنسابِ، وحرَّرَ المَسألةَ.
(وقد أُرخِصَ) أي سُومِحَ (في ذلكَ) أي في النَّظرِ إلى وَجهِ الشابَّةِ وكَفَّيها (للخاطِبِ) لنَفسِه إذا كانَ قصَدَ مُجرَّدَ عِلمِ صِفتِها فقط (١).
ولا يُباحُ له النَّظرُ إلى قَدمَيها عندَ الحَنفيةِ على الصَّحيحِ؛ لأنَّ الضَّرورةَ لا تَتحقَّقُ في كَشفِ القَدمِ؛ إذِ المرأةُ تَمشي في الجَوربَينِ والخُفَّينِ، فتَستغنِي عن إظهارِ القدَمَينِ، فلا يجوزُ النَّظرُ إليهما.