على الأذانِ؛ لحَديثِ عُثمانَ بنِ أَبِي العاصِ ﵁: قُلتُ: يا رسُولَ اللَّهِ اجعَلني إمَامَ قَومِي، فقالَ:«أنتَ إمَامُهم، واقتَدِ بأَضعَفِهم، واتَّخِذ مُؤذّنًا لا يأخُذُ على أَذَانِه أجرًا»(١)، فلَو كانَ أخذُ الأَجرِ على الأذانِ جائِزًا لَمَا مَنعَه أن يَتَّخِذَ مَنْ يأخُذُ عليه أجرًا، ولأنَّه قُربَةٌ لِفاعِلِه لا يَصحُّ إلا مِنْ مُسلِمٍ، فلم يَستأجِرهُ عليه، كالإمامَةِ.
قالَ الحَنفيَّةُ: والأَصلُ فيه أنَّ كلَّ شَيءٍ جازَ أن يُستأجَرَ الكافِرُ عليه جازَ أن يُستأجَرَ عليه المُسلِمُ، وما لا فلا، فكلُّ طاعَةٍ يَختَصُّ بها المُسلمُ فالاستِئجارُ عليها باطِلٌ.
وذَهب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في الأصَحِّ وأحمدُ في رِوايةٍ ومُتأخِرو الحَنفيَّةِ -وعليه الفَتوَى- إلى أنَّه يَجوزُ أخذُ الأجرةِ على الأذانِ؛ لأنَّه عمَلٌ مَعلومٌ يَجوزُ أخذُ الرِّزقِ عليه؛ فجازَ أخذُ الأجرةِ عليهِ، كسائرِ الأعمالِ، ولأنَّ كلَّ ما جازَ أن يُتبَرَّعَ به عن الآخَرينَ جازَ أخذُ الأجرةِ عليه كبِناءِ المَساجِدِ، ولأنَّ الإمامَ الأعلى يَأخُذُ رِزقَهُ مِنْ بَيتِ المالِ ونِيابَتُه أفضَلُ مِنْ نِيابَةِ المُؤذِّنينَ.
وسَواءٌ كانَتِ الأُجرةُ مِنْ بَيتِ المالِ كما فعلَ عمرُ، أو مِنْ آحادِ النَّاسِ على المَشهورِ عندَ المالِكيَّةِ، ومنعَها ابنُ حَبيبٍ مِنْ آحادِ النَّاسِ على الأذانِ.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٦٣١)، والتِّرمذي (٢٠٩)، والنسائي (٦٧٢)، وابن ماجه (٧١٤)، وأحمد (٤/ ٢١).