للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يَعْنِ بذلكَ إذا خطَبَ الرَّجلُ المَرأةَ فلمْ يُوافِقْها أمْرُه ولم تَركَنْ إليهِ أنْ لا يَخطبَها أحَدٌ، فهذا بابُ فَسادٍ يَدخلُ على النَّاسِ (١).

قالَ الإمامُ أبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ : بنحوِ ما فسَّرَ مالِكٌ هذا الحديثَ فسَّرَه الشَّافعيُّ وأبو عُبيدٍ، وهو مَذهبُ جَماعةِ الفُقهاءِ، كلُّهُم يتَّفقونَ في ذلكَ المعنَى، وهو المَعمولُ بهِ عندَ السَّلفِ والخلَفِ، وذلكَ -واللهُ أعلَمُ- لأنَّ رسولَ اللهِ أباحَ الخِطبةَ لِأسامةَ بنِ زيدٍ على خِطبةِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ وأبي جَهمِ بنِ حُذيفةَ حينَ خطَبَا فاطِمةَ بنتَ قَيسٍ، فأتَتْ رسولَ اللهِ مُشاوِرةً لهُ، فخطَبَها لِأسامةَ بنِ زَيدٍ على خِطبتِها، ومَعلومٌ أنَّ رسولَ اللهِ لا يَفعلُ ما يَنهَى عنه، ولا أعلَمُ أحَدًا ادَّعَى نَسخًا في أحاديثِ هذا البابِ، فدَلَّ ذلكَ على أنَّ المعنَى ما قالَه الفُقهاءُ مِنْ الرُّكونِ والرِّضا، واللهُ أعلَمُ.

فإذا ركَنَتِ المَرأةُ أو وليُّها ووقَعَ الرِّضا لم يَجُزْ لأحَدٍ حِينئذٍ الخِطبةُ على مَنْ رُكِنَ إليه ورُضِيَ به واتُّفِقَ عليهِ، ومَن فعَلَ ذلكَ كانَ عاصِيًا إذا كانَ بالنهيِ عالِمًا (٢).

وقالَ في «الكافِي»: وجائزٌ للجَماعةِ أنْ يَخطبُوا امرأةً واحدةً مُجتمِعينَ ومُتفرِّقينَ، ما لم تُوافِقْ واحدًا منهُم وتَسكُنْ إليهِ، فإنْ سكَنَتْ إليهِ وركَنَتْ


(١) «الموطأ» (٢/ ٥٢٣).
(٢) «الاستذكار» (٥/ ٣٨١، ٣٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>