للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُنكَحُ ولا يَخطُبُ» (١)، قالَ النَّوويُّ : وأمَّا قولُه : «ولا يَخطُبُ» فهو نهيُ تنزيهٍ ليسَ بحَرامٍ، وكذلكَ يُكرهُ للمُحرمِ أنْ يكونَ شاهِدًا في نكاحٍ عقَدَه المُحِلُّونَ، وقالَ بعضُ أصحابِنا: لا يَنعقدُ بشَهادتِه؛ لأنَّ الشَّاهدَ رُكنٌ في عقدِ النكاحِ كالوليِّ، والصَّحيحُ الَّذي عليهِ الجُمهورُ انعقادُه (٢).

قالَ ابنُ حَجرٍ الهَيثميُّ : تَصريحُهم بكراهةِ خِطبةِ المُحرِمِ مع حُرمةِ نكاحِه مَحلُّه حيثُ لم يَخطبْها لِيَنكحَها مع الإحرامِ، وإلَّا حَرُمتْ، وكذا يقالُ في خِطبةِ الحَلالِ للمُحرِمةِ (٣).

وقالَ الإمامُ ابنُ عابدِينَ : قولُه: «ولا يَخطُبُ» على أنهُ قد صرَّحَ في «شَرح دُررِ البحارِ» بأنَّ النهيَ للتنزيهِ، وقولُ «الكَنز»: «وحَلَّ تَزوُّجُ الكتابيَّةِ والصابِئةِ والمُحرِمةِ» صَريحٌ في ذلكَ؛ فإنَّ المكروهَ تَحريمًا لا يَحلُّ، فافهَمْ (٤).


(١) رواه مسلم (١٤٠٩).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (٩/ ١٩٥).
(٣) «تحفة المحتاج» (٨/ ٥٢١)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٢٣٤).
(٤) «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٤٧)، ويُنظَر: فتح باب «العناية» بشرح النقاية لملا علي القاري (٣/ ٢٢٥): قالَ: ويُحمَلُ قولُه : «لا يَنْكِحُ المُحرِمِ» إمَّا على نَهيِ التَّحريمِ، -والنكاحُ: الوطءُ، والمرادُ بالجملةِ الثانيةِ: التَّمكينُ مِنْ الوطءِ، والتَّذكيرُ باعتبارِ الشَّخصِ، أي: لا تُمكِّنُ المُحرِمةُ زوْجَها منهُ- أو على الكَراهةِ جَمعًا بينَ الأدلةِ، وذلكَ لأنَّ المُحرِمَ في شغلٍ عن مباشَرةِ عقدِ النكاحِ؛ لأنه يَشغَلُ القلبَ عنِ الإحسانِ في العبادةِ، لِمَا فيه مِنْ خِطبةٍ ومُراوَداتٍ ودَعوةٍ واجتِماعاتٍ، ويَتضمنُ تنبيهَ النفسِ لطَلبِ الجِماعِ، وهذا مَحمَلُ قولِه: «ولا يَخطبُ» إجماعًا، وقالَ في «الكافي»: والأَوجهُ أنْ يقالَ: الحَديثُ (يُروَى) بالنهيِّ مَجزومًا، وهو اختيارُ الخطَّابيِّ، والنهيُ يكونُ للتنزيهِ، وإن رُويَ مَنفيًّا فالنفيُ يَجيءُ بمَعنى النهيِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>