للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ في الصَّحابةِ مَنْ لم تكُنْ له زَوجةٌ، ورسولُ اللهِ عَلِمَ منهُ بذلكَ ولم يُنكِرْ عليه، فدلَّ أنهُ ليسَ بواجِبٍ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ بعدَ ذِكرِ للحَديثِ السَّابقِ: وفي هذا الحَديثِ الأمرُ بالنِّكاحِ لِمَنْ استَطاعَه وتاقَتْ إليه نَفسُه، وهذا مُجمَعٌ عليهِ، لكنَّه عندَنا وعندَ العُلماءِ كافَّةً أمرُ نَدبٍ لا إيجابٍ، فلا يَلزمُ التَّزوجُ ولا التَّسَرِّي، سواءٌ خافَ العنَتَ أم لا، هذا مَذهبُ العُلماءِ كافَّةً، ولا يُعلمُ أحَدٌ أوجَبَه إلَّا داودَ ومَن وافَقَه مِنْ أهلِ الظَّاهرِ وروايةٌ عن أحمَدَ، فإنهُم قالُوا: يَلزمُه إذا خافَ العنَتَ أنْ يتزوَّجَ أو يَتسرَّى، قالُوا: وإنَّما يَلزمُه في العُمرِ مرَّةً واحِدةً، ولم يَشرِطْ بعضُهم خوْفَ العنَتِ، قالَ أهلُ الظَّاهرِ: إنَّما يَلزمُه التَّزويجُ فقطْ ولا يَلزمُه الوَطءُ، وتَعلَّقُوا بظاهرِ الأمرِ في هذا الحَديثِ مع غيرِه مِنْ الأحاديثِ معَ القُرآنِ، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] وغَيرها مِنْ الآياتِ.

واحتَجَّ الجُمهورُ بقولِه تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ إلى قولِه تعالَى: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾، فخيَّرَه بينَ النِّكاحِ والتَّسرِّي، قالَ الإمامُ المازِريُّ: هذا حُجةٌ للجُمهورِ؛ لأنَّه خيَّرَه بينَ النكاحِ والتَّسرِّي بالاتفاقِ، ولو كانَ النِّكاحُ واجِبًا لَمَا خيَّرَه بينَه وبينَ التَّسرِّي؛ لأنهُ لا يَصحُّ عندَ الأُصوليينَ التَّخييرُ بينَ واجِبٍ وغيرِه؛ لأنَّه يُؤدِّي إلى إبطالِ حقيقةِ الواجِبِ، وأنَّ تارِكَه لا يكونُ آثِمًا.


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٨)، و «البيان» (٩/ ١١٠)، و «المغني» (٧/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>