للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِهم بأنَّ مِلكَ الوَرثةِ طارِئٌ فهو أنَّهم ليسوا يَملِكونَها لأنفُسِهم بالطارِئِ مِنْ مِلكِهم، وإنَّما يَنتقِلُ إليهم مِيراثًا عن مَيتِهم، فقاموا فيه مَقامَه، كمَن وَصَّى له بابنِه المَملوكِ فماتَ قبلَ قَبولِه وتَركَ ابنًا آخَرَ فقبِلَ بعدَ مَوتِ أَبيه الوَصيةَ بأَخيه عُتقَ عليه، وإنْ كانَ الأخُ لا يُعتِقُ أَخاه؛ لأنَّه قبِلَه نيابةً عن أَبيه.

وأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِهم بأنَّ الحُقوقَ المَوروثةَ تَردُّ عَفوَ المُوصَى عنها كالدُّيونِ فهو أنَّ أَصحابَنا قد اختَلَفوا في ذلك، فكانَ بعضُهم يَجعلُ للوارِثِ إِبطالَ عَفوِه، فعلى هذا سقَطَ السُّؤالُ، وقالَ الأَكثَرونَ منهم -وهو الصَّحيحُ- إنَّ عَفوَه ماضٍ ولا اعتِراضَ عليه للوارِثِ؛ لأنَّهم إنَّما يَعتَرضونَ عليه فيما استقَرَّ عليه مِلكُه من الأَملاكِ ولم يَستقِرَّ له ههنا مِلكٌ، وإنَّما هو سَببٌ يُفضي إلى المِلكِ، فصارَ كقَبضِ الهِبةِ الذي يُملَكُ به الهِبةُ، ولو رَدَّه المَريضُ لم يَعتَرضِ الوَرثةُ عليه، وإنْ جازَ أنْ يَقوموا في القَبضِ مَقامَه.

وأمَّا الجَوابُ عن استِدلالِهم بأنَّ ما كانَ مَوروثًا صارَ لبَيتِ المالِ عندَ عَدمِ الوَرثةِ، فهو أنَّ لأَصحابِنا فيه وَجهَينِ:

أَحدُهما: أنَّه مَوروثٌ لبَيتِ المالِ ويَستحِقُّ الإِمامُ أخْذَه بالشُّفعةِ لجَميعِ المُسلِمينَ إذا رأى ذلك صَلاحًا.

والوَجهُ الثانِي: لا شُفعةَ فيه، وقد بطَلَت؛ لأنَّ الشُّفعةَ تَجبُ لدَفعِ الضَّررِ بها فبطَلَت الشُّفعةُ، وليسَ كذلك الوارِثُ؛ لأنَّه يَختَصُّ بالتَّصرفِ فلحِقَه الضَّررُ فاستحَقَّ الشُّفعةَ، واللهُ أعلَمُ بالصَّوابِ (١).


(١) «الحاوي الكبير» (٧/ ٢٥٧، ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>