للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصلٌ: وإنْ أشهَدَ الشَّفيعُ على مُطالبتِه بها للعُذرِ ثم ماتَ لم تَبطُلْ، وكانَ للوَرثةِ المُطالَبةُ بها، نَصَّ عليه أَحمدُ؛ لأنَّ الإِشهادَ على الطَّلبِ عندَ العَجزِ عنه يَقومُ مَقامَه، فلم تَسقُطِ الشُّفعةُ بالمَوتِ بعدُ كالطَّلبِ نَفسِه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ الشُّفعةَ تُورَثُ، فإذا ماتَ الشَّفيعُ انتقَلَ الحَقُّ إلى وَرثتِه فلهم المُطالَبةُ بالشُّفعةِ.

لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١]، فكانَ على عُمومِه، ولقَولِ النَّبيِّ : «مَنْ ترَكَ مالًا أو حَقًّا فلوَرثتِه» (٢)، ولأنَّه خيارٌ ثبَتَ لدَفعِ الضَّررِ عن مالِه؛ فجازَ أنْ يَقومَ الوارِثُ مَقامَه كخيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ، ولأنَّه حَقٌّ مُستفادٌ بالمِلكِ فجازَ أنْ يُورَثَ كثِمارِ الشَّجرةِ ونِتاجِ الماشيةِ، ولأنَّه حَقٌّ يَلزمُ في البَيعِ فوجَبَ أنْ يَكونَ مَوروثًا كالرَّدِّ بالعَيبِ، ولأنَّ الشُّفعةَ من حُقوقِ المِلكِ فوجَبَ أنْ تَكونَ مَوروثةً مع المِلكِ كطُرقِ الأَملاكِ ومَرافِقِها والرَّهنِ في الدُّيونِ وضَمانِها، ولأنَّ المَوتَ يُسقِطُ التَّكليفَ، وما سقَطَ به التَّكليفُ لم تَبطُلْ به الشُّفعةُ كالجُنونِ، ولأنَّه قَبضٌ استُحِقَّ في عَقدِ بَيعٍ فوجَبَ أنْ يَكونَ كالقَبضِ في البَيعِ (٣).


(١) «المغني» (٥/ ٢١٦، ٢١٧)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٧١)، و «المبدع» (٥/ ٢٢٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٣٥٠)، ومسلم (١٦١٩) بلفظ: «ومَن ترَكَ مالًا فلوَرثتِه».
(٣) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١٤٦، ١٤٧)، رقم (١٠٠٠)، و «الاستذكار» (٨/ ٨٥)، و «الذخيرة» (٧/ ٢٧٥)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٩٨)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٢٥٧، ٢٥٨)، و «البيان» (٧/ ١٦١، ١٦٢)، و «المغني» (٥/ ٢١٦، ٢١٧)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٧١)، و «المبدع» (٥/ ٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>