للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهِبةِ، ولأنَّه نَوعُ خيارٍ جُعلَ للتَّمليكِ أشبَهَ خيارَ القَبولِ، ولأنَّا لا نَعلَمُ بَقاءَه على شُفعتِه؛ لاحتِمالِ رَغبتِه عنها، ولا يَنتقِلُ للوَرثةِ ما يُشَكُّ في ثُبوتِه.

وقالَ أَحمدُ: المَوتُ يَبطُلُ به ثَلاثةُ أَشياءَ: الشُّفعةُ والحَدُّ إذا ماتَ المَقذوفُ والخيارُ إذا ماتَ الذي اشتَرطَ الخيارَ، ولم يَكُنْ للوَرثةِ هذه الأَشياءُ الثَّلاثةُ، إنَّما هي بالطَّلبِ، فإذا لم يَطلُبْ فليسَ تَجبُ إلا أنْ يَشهدَ أنِّي على حَقِّي من كذا وكذا وأنِّي قد طَلَبتُه، فإنْ ماتَ بعدَه كانَ لوارِثِه الطَّلبُ به، أمَّا إذا لم يَطلُبْها فلا تَنتقِلُ لوَرثتِه.

الحالُ الثانيةُ: إذا طالَبَ بالشُّفعةِ ثم ماتَ، فإنَّ حَقَّ الشُّفعةِ يَنتقِلُ إلى الوَرثةِ قَولًا واحِدًا؛ لأنَّ الحَقَّ يَتقرَّرُ بالطَّلبِ، ولذلك لا يَسقُطُ بتأخيرِ الأخْذِ بعدَه، وقَبلَه يَسقطُ.

قالَ ابنُ قُدامةَ: وقالَ القاضِي: يَصيرُ الشِّقصُ مِلكًا للشَّفيعِ بالمُطالبةِ نَفسِها، وقد ذَكَرنا أنَّ الصَّحيحَ غيرُ هذا، فإنَّه لو صارَ مِلكًا للشَّفيعِ لم يَصحَّ العَفوُ عن الشُّفعةِ بعدَ طَلبِها، كما لا يَصحُّ العَفوُ عنها بعدَ الأخْذِ بها، فإذا ثبَتَ هذا فإنَّ الحَقَّ يَنتقِلُ إلى جَميعِ الوَرثةِ على حَسبِ مَواريثِهم؛ لأنَّه حَقٌّ مالِيٌّ مَوروثٌ فيَنتقِلُ إلى جَميعِهم كسائِرِ الحُقوقِ الماليةِ، وسَواءٌ قُلنا: الشُّفعةُ على قَدرِ الأَملاكِ أو على عَددِ الرُّؤوسِ؛ لأنَّ هذا يَنتقِلُ إليهم من مَوروثِهم، فإنْ ترَكَ بعضُ الوَرثةِ حَقَّه تَوافَرَ الحَقُّ على سائِرِ الوَرثةِ، ولم يَكُنْ لهم أنْ يأخُذوا إلا الكُلَّ أو يَتركوا، كالشُّفعاءِ إذا عَفا بعضُهم عن شُفعتِه؛ لأنَّا لو جَوَّزنا أخْذَ بعضِ الشِّقصِ المَبيعِ تبعَّضَت الصَّفقةُ على المُشتَري وهذا ضَررٌ في حَقِّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>