ولا خِلافَ في أنَّه إذا عجَزَ عن الإِشهادِ في سَفرِه فشُفعتُه لا تَسقُطُ لأنَّه مَعذورٌ في تَركِه، فأشبَهَ ما لو ترَكَ الطَّلبَ لعُذرِه أو لعَدمِ العِلمِ، ومتى قدِرَ على الإِشهادِ فأخَّرَه كانَ كتأخيرِ الطَّلبِ للشُّفعةِ، إنْ كانَ لعُذرٍ لم تَسقُطِ الشُّفعةُ، وإنْ كانَ لغيرِ عُذرٍ سقَطَت؛ لأنَّ الإِشهادَ قائِمٌ مَقامَ الطَّلبِ ونائِبٌ عنه، فيُعتبَرُ له ما يُعتبَرُ للطَّلبِ.
ومَن لم يَقدِرْ إلا على إِشهادِ مَنْ لا تُقبلُ شَهادتُه كالصَّبيِّ والمَرأةِ والفاسِقِ فتَرَك الإِشهادَ لم تَسقُطْ شُفعتُه بتَركِه؛ لأنَّ قَولَهم غيرُ مُعتبَرٍ فلم يَلزَمْ إِشهادُهم كالأَطفالِ والمَجانينِ، وإنْ لم يَجِدْ مَنْ يُشهِدُه إلا مَنْ لا يَقدَمُ معه إلى مَوضعِ المُطالَبةِ فلم يُشهِدْ فالأَوْلى أنَّ شُفعتَه لا تَبطُلُ؛ لأنَّ إِشهادَه لا يُفيدُ فأشبَهَ إِشهادَ مَنْ لا تُقبلُ شَهادتُه، فإنْ لم يَجِدْ إلا مَستورَيِ الحالِ فلم يُشهِدهما احتَمَل أنْ تَبطُلَ شُفعتُه؛ لأنَّ شهادَتَهما يُمكنُ إِثباتُها بالتَّزكيةِ فأشبَها العَدلَينِ.
ويُحتملُ ألَّا تَبطُلَ؛ لأنَّه يَحتاجُ في إِثباتِ شهادَتِهما إلى كُلفةٍ كَثيرةٍ وقد لا يَقدِرُ على ذلك، فلا تُقبلُ شَهادتُهما، وإنْ أشهَدَهما لم تَبطُلْ شُفعتُه، سَواءٌ قُبِلت شَهادتُهما أو لم تُقبَلْ؛ لأنَّه لم يُمكِنْه أكثَرُ من ذلك فأشبَهَ العاجِزَ عن الإِشهادِ، كذلك إنْ لم يَقدِرْ إلا على إِشهادِ واحِدٍ فأشهَدَه أو ترَكَ إِشهادَه (١).
(١) «المغني» (٥/ ١٩٠، ١٩١)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٦٢).