للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ مُحمدٌ: إنْ ترَكَها شَهرًا بعدَ الإِشهادِ من غيرِ عُذرٍ بطَلَت شُفعتُه؛ لأنَّه لو لم تَسقُطْ بتأخيرِ الخُصومةِ أبدًا يَتضرَّرُ به المُشتَري؛ لأنَّه لا يُمكنُه التَّصرفُ حَذرَ نَقضِه من جِهةِ الشَّفيعِ فقَدَّرناه بشَهرٍ؛ لأنَّه آجِلٌ وما دونَه عاجِلٌ.

وقيلَ: الفَتوى في هذا الزَّمانِ على قَولِ مُحمدٍ؛ لتَغيُّرِ أَحوالِ الناسِ في قَصدِ الإِضرارِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ الشُّفعةَ ليسَت على الفَورِ، بل وَقتُ وُجوبِها مُتَّسعٌ، واختَلفَ قَولُ الإِمامِ مالِكٍ، فالمَشهورُ في المَذهبِ أنَّها مُقدَّرةٌ بسَنةٍ، فإذا مَرَّت سَنةٌ ولم يَطلُبْها بعدَ عِلمِه بها سقَطَت شُفعتُه.

وفي قَولٍ عنه أنَّ وَقتَها غيرُ مَحدودٍ، وأنَّها لا تَنقطِعُ أبدًا إلا أنْ يُحدِثَ المُبتاعُ بِناءً أو تَغييرًا كَثيرًا بمَعرِفتِه وهو حاضِرٌ عالِمٌ ساكِتٌ.

وقيلَ: وَقتُها أكثَرُ من سَنةٍ، وقد قيلَ عنه: إنَّ خَمسةَ أَعوامٍ لا تَنقطِعُ فيها الشُّفعةُ.

والدَّليلُ على أنَّها ليسَت على الفَورِ قَولُه : «الشُّفعةُ فيما لم يُقسَمْ» ولم يُعلِّقْه بحَدٍّ، ولأنَّ المُطالَبةَ حَقٌّ للشَّفيعِ، والأَصلُ أنَّ كلَّ مَنْ ثبَتَ له حَقٌّ فله أخْذُه وله تَركُه أيَّ وَقتٍ شاءَ، إلى أنْ يَقومَ دَليلٌ على تَعلُّقِه بوَقتٍ يَفوتُ بخُروجِه، ولأنَّه حَقٌّ من جِهةِ استِيفاءِ مالٍ لم يَكُنْ فيه تَفريطٌ


(١) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٨٥، ٣٨٩)، و «الاختيار» (٢/ ٥٤)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٩٠)، و «اللباب» (١/ ٥٠٣، ٥٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>