للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا: فإنَّه يَتضمَّنُ مع إِضرارِه بالمُسلمِ إِضرارًا بالدِّينِ، وتَملُّكَ دارِ المُسلِمينَ منهم قَهرًا وشَغلَها بما يُسخِطُ اللهَ بدَلَ ما يُرضيه، وهذا خِلافُ قَواعدِ الشَّرعِ.

ولذلك حرَّمَ عليهم نِكاحَ المُسلِماتِ؛ إذْ كانَ فيه نَوعُ استِعلاءٍ عليهِنَّ، ولذلك لم يَجُزِ القِصاصُ بينَهم وبينَ المُسلِمينَ، ولا حَدُّ القَذفِ، ولا يُمكَّنونَ من تَملُّكِ رَقيقٍ مُسلِمٍ، وقد قالَ تَعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (١٤١)[النساء: ١٤١]، ومن أعظَمِ السَّبيلِ تَسليطُ الكافِرِ على انتِزاعِ أَملاكِ المُسلِمينَ منهم وإِخراجِهم منها قَهرًا، وقد قالَ تَعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الحشر: ٢٠]، وهذا يَقتَضي مُطلَقَ المُساواةِ بينَ المُسلمِ والكافِرِ، لا نَفيَ المُساواةِ المُطلَقةِ، فإنَّها مُنتفيةٌ عن كلِّ شَيئَينِ وإنْ تَماثَلا، وبهذه الآيةِ احتَجَّ من نَفى القِصاصَ بينَهم وبينَ المُسلِمينَ.

وأيضًا: فالذِّميُّ تَبَعٌ لنا في الدارِ، وليسَ بأصلٍ من أهلِ الدارِ، ولهذا عندَ الشافِعيِّ يُؤدِّي الجِزيةَ أُجرةً لمَكانِ السُّكنَى والتَّبسُّطِ في دارِ الإِسلامِ، ولهذا متى نقَضَ العَهدَ أُلحِقَ بمَأمَنِه وأُخرِجَ من دارِنا وأُلحِقَ بدارِه، فهو في دارِ الإِسلامِ أُجريَ مُجرَى الساكِنِ المُنتفِعِ لا مُجرى الساكِنِ الحَقيقيِّ، وحَقُّ السُّكنَى لا يَقوَى على انتِزاعِ الشِّقصِ من يَدِ مالِكِه، وقد قالَ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)[الأنبياء: ١٠٥]، وقالَ النَّبيُّ لليَهودِ: «اعلَموا أنَّ الأرضَ للهِ ورَسولِه» فعِبادُه الصالِحونَ هُمْ وارِثوها، وهُم المُلَّاكُ لها على الحَقيقةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>