وتَقريرُ الاستِدلالِ من هذا أنَّه لم يَجعَلْ له حَقًّا في الطَّريقِ المُشتَركِ عندَ تَزاحُمِهم مع المُسلِمينَ، فكيف يجعَلُ لهم حَقًّا إلى انتِزاعِ مِلكِ المُسلمِ منه قَهرًا؟ بل هذا تَنبيهٌ على المَنعِ من انتِزاعِ الأرضِ من يَدِ المُسلمِ وإخراجِه منها لحَقِّ الكافِرِ لنَفيِ ضَررِ الشَّركةِ عنه، وضَررُ الشَّركةِ على الكافِرِ أهوَنُ عندَ اللهِ من تَسليطِه على إِزالةِ مِلكِ المُسلمِ عنه قَهرًا.
الدَّليلُ الثالِثُ: قَولُه ﷺ: «لا يَجتمِعُ دِينانِ في جَزيرةِ العَربِ»(١).
ووَجهُ الاستِدلالِ من هذا أنَّ النَّبيَّ ﷺ حكَمَ بإِخراجِهم من أرضِهم وبنَقلِها إلى المُسلِمينَ؛ لتَكونَ كَلمةُ اللهِ هي العُليا، ويَكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ ﷾، فكيفَ نُسلِّطُهم على انتِزاعِ أَراضي المُسلِمينَ منهم قَهرًا وإِخراجِهم منها.
وأيضًا فالشُّفعةُ حَقٌّ يَختَصُّ بالعَقارِ، فلا يُساوي الذِّميُّ فيه المُسلمَ كالاستِعلاءِ في البُنيانِ، يُوضِّحُه أنَّ الاستِعلاءَ تَصرُّفٌ في هَواءِ مِلكِه المُختصِّ به، فإذا مُنعَ منه فكيف يُسلَّطُ على انتِزاعِ مِلكِ المُسلمِ به قَهرًا وهو مَمنوعٌ من التَّصرفِ في هَوائِه تَصرُّفًا يَستَعلي فيه على المُسلمِ؟ فأينَ هذا الاستِعلاءُ من استِعلائِه عليه بإِخراجِه من مِلكِه قَهرًا؟
وأيضًا فالشُّفعةُ وجَبَت لإِزالةِ الضَّررِ عن الشَّفيعِ وإنْ كانَ فيها ضَررٌ بالمُشتَري، فإذا كانَ المُشتَري مُسلِمًا فسلَّطَ الذِّميَّ على انتِزاعِ مِلكِه منه قَهرًا كانَ فيه تَقديمُ حقٍّ للذِّميِّ على حَقِّ المُسلمِ، وهذا مُمتنِعٌ.
(١) رواه الإمام مالك في «الموطأ» موقوفًا ومرفوعًا (١٥٨٤).