للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِثلُه في «شَرح تَلخيصِ الجامِعِ الكَبير للفارِسي» في بابِ اليَمينِ في المُساومةِ: تَنبيهٌ: قالَ الحَمَويُّ في شَرحِ «الكَنز» نَقلًا عن العَلَّامةِ المَقدِسيِّ عن جَدِّه الأشقَرِ عن «شَرح القُدوري» للأخصَبِ: إنَّ عَدمَ جَوازِ الأخْذِ من خِلافِ الجِنسِ كانَ في زَمانِهم؛ لمُطاوَعتِهم في الحُقوقِ، والفَتوى اليَومَ على جَوازِ الأخْذِ عندَ القُدرةِ من أيِّ مالٍ كانَ، لا سيَّما في دِيارِنا؛ لمُداوَمتِهم العُقوقَ.

قالَ الشاعِرُ:

عَفاءٌ على هذا الزَّمانِ فإنَّه … زَمانُ عُقوقٍ لا زَمانُ حُقوقِ

وكلُّ رَفيقٍ فيه غيرُ مُرافِقٍ … وكلُّ صَديقٍ فيه غيرُ صَدوقِ (١)

القَولُ الرابِعُ: جَوازُ الأخْذِ ولو قدِرَ على أخْذِه بالحاكِمِ في الحَقِّ الثابِتِ بإِقرارٍ أو بَيِّنةٍ أو كانَ سَببُ الحَقِّ ظاهِرًا، وإلا فلا يَجوزُ، وهو اختِيارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيميةَ وتِلميذِه ابنِ القَيمِ (٢).

قالَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ : ومَن كانَ له عندَ إِنسانٍ حَقٌّ ومنَعَه إياه جازَ له الأخْذُ من مالِه بغيرِ إِذنِه إذا كانَ سَببُ الحَقِّ ظاهِرًا لا يَحتاجُ إلى إِثباتٍ، مِثلَ استِحقاقِ المَرأةِ النَّفقةَ على زَوجِها، واستِحقاقِ الأَقاربِ النَّفقةَ على أَقاربِهم، واستِحقاقِ الضَّيفِ الضِّيافةَ على مَنْ نزَلَ به، وإنْ كانَ سَببُ الحَقِّ خَفيًّا يَحتاجُ إلى إِثباتٍ لم يَجُزْ، وهذه الطَّريقةُ المَنصوصُ عليها عن الإِمامِ أَحمدَ، وهو أعدَلُ الأَقوالِ (٣).

وسُئلَ شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ عن الرَّجلِ يَكونُ له على الرَّجلِ دَينٌ فيَجحَدُه أو يَغصِبُه شَيئًا ثم يُصيبُ له مالًا من جِنسِ مالِه، فهل له أنْ يأخُذَ منه مِقدارَ حَقِّه؟

فأَجابَ:

وأمَّا إذا كانَ لرَجلٍ عندَ غيرِه حَقٌّ من عَينٍ أو دَينٍ فهل يأخُذُه أو نَظيرَه بغيرِ إِذنِه؟ هذانِ نَوعانِ: أَحدُهما: أنْ يَكونَ سَببُ الاستِحقاقِ ظاهِرًا لا يَحتاجُ إلى إِثباتٍ، مِثلَ استِحقاقِ المَرأةِ النَّفقةَ على زَوجِها واستِحقاقِ الوَلدِ أنْ يُنفقَ عليه والِدُه واستِحقاقِ الضَّيفِ الضِّيافةَ على مَنْ نزَلَ به،


(١) «حاشية ابن عابدين» (٦/ ١٥٠، ١٥١).
(٢) «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٣٦٥)، و «إغاثة اللهفان» (٢/ ٧٧)، و «الإنصاف» (١١/ ٣١١).
(٣) «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>