وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ وعبدُ المَلكِ بنُ الماجِشونِ من المالِكيةِ إلى أنَّ المُسلمَ إذا أتلَفَ الخَمرَ أو الخِنزيرَ للذِّميِّ فلا ضَمانَ عليه فيهما؛ لأنَّ ما لم يَكُنْ مَضمونًا في حَقِّ المُسلمِ لم يَكُنْ مَضمونًا في حَقِّ الذِّميِّ كالمُرتدِّ، ولأنَّها غيرُ مُتقوَّمةٍ فلا تُضمَنُ كالمَيتةِ، والدَّليلُ أنَّها غيرُ مُتقوَّمةٍ في حَقِّ المُسلمِ فكذلك في حَقِّ الذِّميِّ، فإنَّ تَحريمَها ثبَتَ في حَقِّهما، وخِطابُ النَّواهي يَتوجَّهُ إليهما، فما ثبَتَ في حَقِّ أَحدِهما ثبَتَ في حَقِّ الآخَرِ.
قالَ ابنُ قُدامةَ: ولا نُسلِّمُ بأنَّها مَعصومةٌ، بل مَتى أُظهِرت حَلَّت إِراقَتُها، ثم لو عصَمَها ما لزِمَ تَقويمُها، فإنَّ نِساءَ أهلِ الحَربِ وصِبيانَهم مَعصومونَ غيرُ مُتقوَّمينَ، وقَولُهم: إنَّها مالٌ عندَهم يَنتقِضُ بالعَبدِ المُرتدِّ، فإنَّه مالٌ عندَهم، وأمَّا حَديثُ عُمرَ فمَحمولٌ على أنَّه أَرادَ تَركَ التَّعرُّضِ لهم، وإنَّما أمَرَ بأخذِ عُشرِ أَثمانِها؛ لأنَّهم تَبايَعوا وتَقابَضوا فحكَمْنا لهم بالمِلكِ ولم نَنقُضْه، وتَسميتُها أَثمانًا مَجازٌ، كما سَمَّى اللهُ تَعالى ثَمنَ يُوسفَ ثَمنًا، فقالَ: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، وأمَّا قَولُ الخِرقيِّ: ويُنهَى عن التَّعرُّضِ لهم فيما لا يُظهِرونَه، فلِأَنَّ كلَّ ما اعتَقَدوا حِلَّه في دِينِهم ممَّا لا أذَى للمُسلِمينَ فيه من الكُفرِ وشُربِ الخَمرِ واتِّخاذِه ونِكاحِ ذَواتِ المَحارمِ لا يَجوزُ لنا التَّعرُّضُ لهم فيه إذا لم يُظهِروه؛ لأنَّنا التَزَمنا بإِقرارِهم عليه في دارِنا فلا نَتعرَّضُ لهم فيما التَزَمنا بتَركِه، وما أَظهَروه من ذلك تعيَّنَ إِنكارُه عليهم، فإنْ كانَ خَمرًا جازَت إِراقتُه، وإنْ