للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنَّ المُسلمَ إذا أتلَفَ الخَمرَ أو الخِنزيرَ للذِّميِّ ضمِنَهما؛ لأنَّ الخَمرَ لهم كالخَلِّ لنا، ولأنَّ الخِنزيرَ في حَقِّهم كالشاةِ لنا، ونحن أُمِرنا بأنْ نَتركَهم وما يَدينونَ، ولقَولِ عُمرَ لمَّا سألَ عُمَّالَه ماذا يُصنَعُ بما يَمرُّ به أهلُ الذِّمةِ من الخُمورِ، فقالوا: نُعشِّرُها، قالَ: «لا تَفعَلوا، ووَلُّوهم بَيعَها وخُذوا العُشرَ من أَثمانِها»، فلولا أنَّها مُتقوَّمةٌ وأنَّ بَيعَها جائِزٌ لهم لَمَا أمَرَهم بذلك من غيرِ إِنكارٍ فكانَ إِجماعًا، ولأنَّه أتلَفَ عليه ما يَعتقِدُه مالًا له ظُلمًا، فوجَبَ أنْ يَضمنَ قيمَتَه، أصلُه إذا أتلَفَ عليه ما يَصحُّ تَمليكُه في حَقِّ المُسلمِ، ولأنَّ حِفظَ مالِه والكَفَّ عن إِتلافِه عليه مُستحَقٌّ علينًا كاستِحقاقِه في حِفظِ نَفسِه، فلَمَّا كانَت نَفسُه مَضمونةً بالإِتلافِ فكذلك مالُه.

إلا أنَّه إذا أتلَفَه مُسلمٌ تَجبُ قيمةُ الخَمرِ وإنْ كانَ مِثليًّا عندَ الحَنفيةِ والمالِكيةِ؛ لأنَّ المُسلمَ مَمنوعٌ من تَمليكِه وتَملُّكِه بخِلافِ الذِّميِّ.

وقالَ الحَنفيةُ: أمَّا إذا أتلَفَه ذِميٌّ لذِميٍّ فإنَّه يَجبُ مِثلُه؛ لأنَّ الذِّميَّ غيرُ مَمنوعٍ من تَمليكِه وتَملُّكِه (١).


(١) «الاختيار» (٣/ ٨٠، ٨١)، و «البحر الرائق» (٨/ ١٤٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٤١، ١٤٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٤١)، و «اللباب» (١/ ٦٤٠)، و «المعونة» (٢/ ١٩٤)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١٢٩، ١٣٠)، رقم (٩٨٧)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٣٠٧)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٨٧)، و «حاشية العدوي» (٢/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>