قالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: تَصرفاتُ الغاصِبِ كتَصرفاتِ الفُضوليِّ على ما ذَكَرنا من الرِّوايتَينِ، إحداهما: بُطلانُها.
والثانية: صِحتُها ووُقوفُها على إِجازةِ المالِكِ.
وذَكَر أَبو الخَطابِ أنَّ في تَصرفاتِ الغاصِبِ الحُكميةِ رِوايةً أنَّها تَقعُ صَحيحةً، وسَواءٌ في ذلك العِباداتُ كالطَّهارةِ والصَّلاةِ والزَّكاةِ والحَجِّ أو العُقودِ والإِجارةِ والنَّكاحِ، وهذا يَنبَغي أنْ يَتقيَّدَ في العُقودِ بما لم يُبطِلْه المالِكُ، فأمَّا ما اختارَ المالِكُ إِبطالَه وأخْذَ المَعقودِ عليه فلم نَعلَمْ فيه خِلافًا.
وأمَّا ما لم يُدرِكْه المالِكُ فوَجهُ التَّصحيحِ فيه أنَّ الغاصِبَ تَطولُ مُدتُه وتَكثرُ تَصرفاتُه، ففي القَضاءِ ببُطلانِها ضَررٌ كَثيرٌ، وربَّما عادَ الضَّررُ على المالِكِ، فإنَّ الحُكمَ بصِحتِها يَقتَضي كَونَ الرِّبحِ للمالِكِ، وكَونَ العِوضِ بنَمائِه زيادَتُه له، والحُكمُ ببُطلانِه يَمنعُ ذلك (١).
وقالَ الحَنفيةُ: إذا باعَ الغاصِبُ المَغصوبَ من رَجلٍ لم يَنفُذْ تَصرفُه، ويَتوقَّفُ على إِجازةِ المالِكِ، فإنْ أجازَ المالِكُ بَيعَه صَحَّت الإِجازةُ إذا استَجمَعَت الإِجازةُ شَرائِطَها، وهي:
قيامُ البائِعِ والمُشتَري والمَعقودِ عليه، وأنْ تَكونَ الإِجازةُ قبلَ الخُصومةِ عندَ أبي حَنيفةَ، ولا يُشتَرطُ قيامُ الثَّمنِ في ظاهِرِ الرِّوايةِ إذا كانَ
(١) «المغني» (٥/ ١٥٩)، و «الإنصاف» (٦/ ٢٠٣، ٢٠٤)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٣٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ١٦٥، ١٦٦)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٦٢، ٦٣).