للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكونُ الرِّبحُ لبَيتِ المالِ (أو الرِّبحُ للغاصِبِ لكنَّه لا يَطيبُ له)؟ على أَقوالٍ، وهذا الخِلافُ جارٍ في الوَديعةِ وكذا في كلِّ مالٍ تصرَّفَ فيه إِنسانٌ بغيرِ حَقٍّ من المالِكِ، هل يَكونُ له رِبحُه أو لا؟ وهذا بعدَ اتِّفاقِهم على أنَّه ضامِنٌ للمالِ المَغصوبِ على أي حالٍ، وإنَّما الخِلافُ في الرِّبحِ الحاصِلِ.

القَولُ الأولُ: أنَّ الرِّبحَ الحاصِلَ من التِّجارةِ بعدَ البَيعِ للغاصِبِ؛ لأنَّه ضامِنٌ للمالِ المَغصوبِ حتى يُؤدِّيَه إلى صاحِبِه، وشَرطُ الطِّيبِ الضَّمانُ وقد وُجدَ، فإنَّ النَّبيَّ «نَهى عن رِبحِ ما لم يَضمَنْ» وهذا رِبحٌ مَضمونٌ، ولأنَّه إذا رَدَّ المالَ فقد طابَ له الرِّبحُ وليس عليه أنْ يَتصدَّقَ به.

وهذا مَذهبُ المالِكيةِ وأَبي يُوسفَ من الحَنفيةِ وأَحمدَ في رِوايةٍ، وهو قَولُ شُريحٍ القاضِي والحَسنِ البَصريِّ والشَّعبيِّ ويَحيى الأَنصاريِّ ورَبيعةَ والثَّوريِّ واللَّيثِ.

قالَ الإِمامُ ابنُ بَطَّالٍ : وأصَحُّ هذه الأَقوالِ قَولُ مَنْ رأى أنَّ الرِّبحَ للغاصِبِ والمُتعدِّي، والحُجةُ له أنَّ العَينَ قد صارَت في ذِمتِه، وهو وغيرُه من مالِه سَواءٌ؛ إذْ لا غرَضَ للناسِ في أَعيانِ الدَّنانيرِ والدَّراهمِ، وإنَّما غَرضُهم في تَصرُّفِهم فيها، ولو غصَبَها من رَجلٍ ثم أَرادَ أنْ يَدفعَ إليه غيرَها مِثلَها وهي قائِمةٌ بيَدِه، لكانَ له ذلك على أصلِ قَولِ مالِكٍ، فإذا كانَ له أنْ يَدفعَ إليه غيرَها فرِبحُها له، وحَديثُ البابِ حُجةٌ لذلك، ألَا تَرى أنَّ الأَجيرَ حيثُ قالَ له من أجرِه: «كلُّ ما تَرى من الإبِلِ والبَقرِ والغَنمِ والرَّقيقِ من

<<  <  ج: ص:  >  >>