للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضِي عَبدُ الوَهابِ المالِكيُّ : الجِنايةُ على ضَربَينِ:

جِنايةٌ تُبطِلُ يَسيرًا من المَنفعةِ وجُلُّها من السِّلعةِ باقٍ فهذا يَجبُ فيه ما نقَصَ: وذلك بأنْ تُقوَّمَ وَقتَ الجِنايةِ صَحيحةً وتُقوَّمَ بالجِنايةِ، فيَلزمَ الجانِيَ ما بينَ القيمَتينِ، وإنَّما قُلنا ذلك لأنَّ الذي يَلزمُه بَدلُ ما أتلَفَ، والإِتلافُ إنَّما يَكونُ لهذا القَدرِ من المَنافعِ، فلم يَضمَنْ ما زادَ عليه.

والضَّربُ الآخَرُ: جِنايةٌ تُبطِلُ الغَرضَ المَقصودَ من الشَّيءِ، والذي له يُرادُ، وإنْ بَقيَت فيه مَنافعُ تابِعةٌ غيرُ مَقصودةٍ: فهذا يَكونُ صاحِبُه مُخيَّرًا إنْ شاءَ أخَذَ ما بينَ قيمَتِه صَحيحًا ومَعيبًا، وإنْ شاءَ أسلَمَه وأخَذَ قيمَتَه، مِثلَ أنْ يَكونَ لرَجلٍ عَبدٌ يُريدُه لبَعضِ المَنافعِ، فيَتَعدَّى عليه رَجلٌ يَقطعُ يَدَه أو يُعميه، فيَبطلَ عليه الغَرضُ الذي له يُرادُ في العادةِ، وكذلك المَركوبُ الذي يُرادُ للجَمالِ والرُّكوبِ تُقطَعُ أُذنُه أو ذَنَبُه فيَبطُلُ الغَرضُ المَقصودُ منه، وإنْ كانَ يَبقى فيه استِعمالُه في الحَملِ ونَقلِ التُّرابِ أو ما أشبَهَ ذلك، وإنَّما قُلنا ذلك لأنَّه قد أتلَفَ على المالِكِ المَنفَعةَ المَقصودةَ من السِّلعةِ فلزِمَه قيمَتُها اعتِبارًا بإِتلافِ عَينِها؛ لأنَّ بَقاءَ العَينِ مع إِتلافِ الغَرضِ المَقصودِ منها مَنعٌ من الانتِفاعِ بها فيما يُقصَدُ منها، فكانَ كإِتلافِ عَينِها (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ العَينَ المَغصوبةَ إذا حصَلَ بها عَيبٌ عندَ الغاصِبِ بأنْ كانَ ثَوبًا فخرَقَه أو طَعامًا سَوَّسَ أو بِناءً خُرِّبَ ونَحوَ


(١) «المعونة» (٢/ ١٨٩)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١١٩، ١٢٠)، رقم (٩٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>