وقد أمَرَ اللهُ تعالَى بابتِلاءِ اليَتامى -وهو اختِبارُهم في عُقودِهم ومُعاملاتِهم- ولهذا كانَ قَولُ الجُمهورِ أنَّ ذلك يَحصلُ بإِذنِه له في العَقدِ، ولا يَحتاجُ إلى أنْ يَأذنَ له في المُراوضةِ ثم بعَقدِ وَليِّه.
وقد ذهَبَ عبدُ اللهِ بنُ الزُّبيرِ وأَهلُ المَدينةِ وأَحمدُ في إِحدى الرِّواياتِ إلى قَبولِ شَهادةِ الصِّبيانِ بعضُهم على بعضٍ في جِراحاتِهم إذا كانُوا مُنفرِدينَ.
وقد ذهَبَ جَماعةٌ مِنْ الفُقهاءِ إلى صِحةِ وَصيةِ الصَّبيِّ وطَلاقِه وظِهارِه وإِيلائِه، ولمْ يَزلِ الصِّبيانُ يَذهبونَ في حَوائجِ أَوليائِهم وغيرِهم ويَقبلونَ قَولَهم في ثُبوتِ الأَسبابِ التي تَقتضِي الحِلَّ والحُرمةَ، ويَعتمدونَ في وَطءِ الفَرجِ في الأَمةِ والزَّوجةِ على قَولِ الصَّبيِّ، فلمْ يُهدرِ الشارِعُ أَقوالَ الصَّبيِّ كلَّها.
بل إذا تأمَّلْنا الشَّرعَ رأَيْنا اعتِبارَه لأَقوالِه أَكثرَ مِنْ إِهدارِه لها، وإنما تُهدرُ فيما فيه عليه ضَررٌ، كالإِقرارِ بالحُدودِ والحُقوقِ، فأما ما هو نَفعٌ مَحضٌ له في الدُّنيا والآخِرةِ كالإِسلامِ فاعتِبارُ قَولِه فيه أَولى مِنْ إِهدارِه؛ إذ أنَّ أُصولَ الشَّرعِ تَشهدُ باعتِبارِ قَولِه فيه.