للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنَّ الذي أخَذَه الذِّئبُ ابنُ الأُخرى فحكَمَ به داودُ للكُبرى وحكَمَ به سُليمانُ للأُخرى بمُجرَّدِ الدَّعوى منهما.

ولأنَّ المَرأةَ كالرَّجلِ في الجِهاتِ التي يُلحقُ منها النَّسبُ، وتَزيدُ عليه في أنَّها يَلحقُها وَلدُها الذي زَنَت به، فإذا لحِقَ الرَّجلَ النَّسبُ بالإِقرارِ فالمَرأةُ أَولى.

فإنْ قيلَ: إنما قُبلَ الإِقرارُ بالنَّسبِ مِنْ الزَّوجِ لمَا فيه مِنْ المَصلحةِ بدَفعِ العارِ عن الصَّبيِّ وصِيانتِه عن النِّسبةِ إلى كَونِه وَلدَ زِنا، ولا يَحصلُ هذا بإِلحاقِ نَسبِه بالمَرأةِ، بل إِلحاقُها بها دونَ زَوجِها تَطرُّقٌ للعارِ إليه وإليها، قُلْنا: بل قَبلْنا دَعواه لأنَّه يَدَّعي حَقًّا لا مُنازعَ له فيه ولا مَضرَّةَ على أَحدٍ فيه، فقُبلَ قَولُه فيه كدَعوى المالِ، وهذا مُتحقِّقٌ في دَعوى المَرأةِ (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ في الأَصحِّ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا تُقبلُ دَعواها إلا إذا أقامَت البَينةُ؛ لأنَّ الأُمَّ يُمكنُها إِقامةُ البَينةِ على أنَّ الوَلدَ منها قَطعًا، فلمْ يُقبلْ قَولُها بمُجرَّدِ الدَّعوى، والأبُ لا يُمكنُه إِقامةُ البَينةِ على أنَّ الوَلدَ منه قَطعًا، فمَسَّت الحاجَةُ إلى إِثباتِ النَّسبِ مِنْ جِهتِه بمُجرَّدِ الدَّعوى.

وحَكاه ابنُ المُنذرِ إِجماعًا فقالَ: «وأجمَعَ كلُّ مَنْ نَحفظُ عنه مِنْ أَهلِ العِلمِ، على أنَّ امرَأةً لو ادَّعَت اللَّقيطَ أنَّه ابنُها أنَّ قَولَها لا يُقبلُ».


(١) «البيان» (٨/ ٢٧)، و «المغني» (٦/ ٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>