للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوجبُ ضَعفَه عن إِلحاقِ النَّسبِ، فإنَّ الحَدَّ في الزِّنا لا يَثبتُ إلا بأَقوى البَيناتِ وأَكثرِها عَددًا وأَقوى الإِقرارِ، حتى يُعتبَرُ فيه تَكرارُه أَربعَ مَراتٍ ويُدرأُ بالشُّبهاتِ، والنَّسبُ يَثبتُ بشَهادةِ امرَأةٍ واحدَةٍ على الوِلادةِ، ويَثبتُ بمُجردِ الدَّعوى، ويَثبتُ معَ ظُهورِ انتِفائِه حتى لو أنَّ امرَأةً أتَت بوَلدٍ وزَوجُها غائِبُ عنها منذُ عِشرينَ سَنةً لحِقَه وَلدُها، فكيفَ يُحتجُّ على نَفيه بعَدمِ إِقامةِ الحَدِّ؟ ولأنَّه حُكمٌ بظَنٍّ غالِبٍ ورَأيٍ راجِحٍ مِمَّنْ هو مِنْ أَهلِ الخِبرةِ فجازَ كقَولِ المُقوِّمينَ، وقَولُهم إنَّ الشَّبهَ يَجوزُ وُجودُه وعَدمُه، قُلْنا: الظاهِرُ وُجودُه، ولهذا قالَ النَّبيُّ حينَ قالَت أمُّ سَلمةَ: أوتَرى ذلك المَرأةُ؟ قالَ: «فمِن أَينَ يَكونُ الشَّبهُ؟».

والحَديثُ الذي احتجُّوا به حُجةٌ عليهم؛ لأنَّ إِنكارَ الرَّجلِ وَلدَه لمُخالفةِ لَونِه وعَزمَه على نَفيه لذلك يَدلُّ على أنَّ العادَةَ خِلافُه، وأنَّ في طِباعِ الناسِ إِنكارَه، وأنَّ ذلك إنما يُوجدُ نادِرًا، وإنما ألحَقَه النَّبيُّ به لوُجودِ الفِراشِ، وتَجوزُ مُخالفةُ الظاهِرِ لدَليلٍ، ولا يَجوزُ تَركُه مِنْ غيرِ ذلك، ولأنَّ ضَعفَ الشَّبهِ عن نَفي النَّسبِ لا يَلزمُ منه ضَعفُه عن إِثباتِه، فإنَّ النَّسبَ يُحتاطُ لإِثباتِه ويَثبتُ بأَدنى دَليلٍ، ويَلزمُ مِنْ ذلك التَّشديدُ في نَفيه، وأنَّه لا يَنتفي إلا بأَقوى الأَدلةِ، كما أنَّ الحَدَّ لمَّا انتَفى بالشَّبهِ لمْ يَثبتْ إلا بأَقوى دَليلٍ، فلا يَلزمُ حينَئذٍ مِنْ المَنعِ مِنْ نَفيه بالشَّبهِ في الخبَرِ المَذكورِ ألَّا يَثبتَ به النَّسبُ في مَسألتِنا.

فإنْ قيلَ: فهاهنا إذا علِمْتُم بالقيافَةِ فقد نَفيْتُم النَّسبَ عمَّن لمْ تَلحقْه القافَةُ به.

<<  <  ج: ص:  >  >>