للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحَضرةِ الصَّحابةِ فلمْ يُنكرْه مُنكِرٌ فكانَ إَجماعًا، ويَدلُّ على ذلك قَولُ النَّبيِّ في وَلدِ المُلاعنةِ «أَنظِروها، فإنْ جاءَت به أَحمشَ الساقَينِ كأنَّه وَحرةٌ فلا أَراه إلا قد كذَبَ عليها، وإنْ جاءَت به أَكحلَ جَعدًا جَماليًّا سابِغَ الأَليتينِ خَدلَّجَ الساقَينِ فهو للذي رُميَت به، فأتَت به على النَّعتِ المَكروهِ، فقالَ النَّبيُّ: «لولا الأَيمانُ لكانَ لي ولها شَأنٌ» فقد حكَمَ به النَّبيُّ للذي أشبَهَه منهما، وقَولُه: «لولا الأَيمانُ لكانَ لي ولها شَأنٌ» يَدلُّ على أنَّه لمْ يَمنعْه مِنْ العَملِ بالشَّبهِ إلا الأَيمانُ، فإذا انتَفى المانِعُ يَجبُ العَملُ به لوُجودِ مُقتضِيه.

وكذلك قَولُ النَّبيِّ في ابنِ أَمةِ زَمعةَ حينَ رَأى به شَبهًا بَينًا بعُتبةَ بنِ أَبي وَقاصٍ: «احتَجِبي منه يا سَودةُ» فعمِلَ بالشَّبهِ في حَجبِ سَودةَ عنه.

فإنْ قيلَ: فالحَديثانِ حُجةٌ عليكم؛ إذ لمْ يَحكمِ النَّبيُّ بالشَّبهِ فيهما، بل أُلحقَ الوَلدُ بزَمعةَ وقالَ لعَبدِ بنِ زَمعةَ: «هو لك يا عَبدُ بنَ زَمعةَ، الوَلدُ للفِراشِ وللعاهِرِ الحَجرُ»، ولمْ يَعملْ بشَبهِ وَلدِ المُلاعنةِ في إِقامةِ الحَدِّ عليها لشَبهِه بالمَقذوفِ.

قُلْنا: إنما لمْ يَعملْ به في ابنِ أَمةِ زَمعةَ لأنَّ الفِراشَ أَقوى، وتَركُ العَملِ بالبَينةِ لمُعارَضةِ ما هو أَقوى منه لا يُوجبُ الإِعراضَ عنه إذا خلَت عن المُعارضِ، وكذلك تَركُ إِقامةِ الحَدِّ عليها مِنْ أَجلِ أَيمانِها بدَليلِ قَولِه: «لولا الأَيمانُ لكانَ لي ولها شَأنٌ» على أنَّ ضَعفَ الشَّبهِ عن إِقامةِ الحَدِّ لا

<<  <  ج: ص:  >  >>